وصلني ايميل من شخص رمز لنفسه بالخبير يقول إنني ذكرت في عمودي المنشور يوم السبت 18 ربيع الآخر 1431 بعنوان: أربعون عاما من التخطيط (علموهم الصيد بدلا من اعطائهم فتات السمكة) إن تحديد نسب السعودة وصندوق الموارد البشرية وبنك التسليف تم استغلالهم للحصول على تأشيرات لاستقدام العمالة من الخارج ويتّهمني بأنني غضضت النظر عن الدور الخفي (على حد تعبيره) الذي تلعبه هيئة الاستثمارات العامة في استقدام العمالة الأجنبية. الحقيقة انا لم أغض النظر عن هيئة الاستثمارات وانما عادتي أن لا أكتب عن شيء ليس لدي عنه معلومات كافية. ولكن شاءت الصّدف أنه بعد قراءتي للإيميل مباشرة وجدت في نفس اليوم موضوعا يتحدث عن انجازات هيئة الاستثمارات العامة في الصفحة الأولى من جريدة الرياض الإلكترونية العدد 15262 يوم الأربعاء 22 ربيع الآخر 1431 نقلا عن واس بعنوان: «المملكة نجحت في استقطاب استثمارات أجنبية تصل الى 143 مليارا.. أوجدت 335 ألف وظيفة» من العنوان المبتور (لاسيما أن الموضوع يعدّد انجازات هيئة الاستثمارات) فهمت - في الوهلة الأولى - أن ال143 مليار تم تدويرها في داخل المملكة وأن ال335 ألف وظيفة التي نجحت هيئة الاستثمارات في ايجادها هي للسعوديين فقلت لنفسي أن المجهول الذي أرسل لي الايميل متنكّرا باسم الخبير يبدو انه من جماعة خبير ماعنده سالفة. لكن لم تتم فرحتي فسرعان ما تبيّن لي عند متابعة تفاصيل الخبر أن نصيب السعوديين من هذه الوظائف هو 27 % فقط وهذا يعني أن نصيب الأجانب منها هو 73 % أي إن 250 ألف وظيفة من الوظائف التي تفخر هيئة الاستثمارات بإيجادها قد تم حجزها مسبقا لتلائم استقدام العمالة من الخارج وهذا يجعلها تستحق أن تنال لقبا ثالثا (فات على واس أن تضيفه لإنجازات الهيئة) وهو أن المملكة حققت الترتيب الأول في ايجاد وظائف لتشغيل العاطلين في بلاد العالم وليس فقط تحقيق الترتيب الثالث عشر في العالم في استقطابها للاستثمارات الأجنبية. واضح للعيان - كوضوح الشمس في رابعة الضحى - أن من بين كل أربع وظائف تفتخر هيئة الاستثمارات العامة أنها نجحت في ايجادها ستخصّص وظيفة واحدة للسعوديين وثلاث وظائف منها محجوزة للاستقدام من الخارج وبمعنى أكثر وضوحا أن مبلغ ال 143 ملياراً الذي استقطبته الاستثمارات الأجنبية بيدها اليمين الى داخل المملكة ستخرجه العمالة الأجنبية بيدها اليسار الى خارج المملكة. لكن قد لا يكون كل اللوم يقع فقط على تحديد نسب السعودة وصندوق الموارد البشرية وبنك التسليف وهيئة الاستثمارات العامة فهم مجرد أربع حلقات ضمن حلقات أخرى في سلسلة طويلة من الإجراءات التي تم استغلالها (لكثرة ثغرات التنفيذ وتجاهل معالجتها في خطط التنمية) كوسائل للاستقدام وتحويل السعوديين تدريجيا الى أقلية في داخل بلادهم. يوجد ثلاثة عشر هدفا عاما لخطة التنمية التاسعة ولكن ليس فيها هدف واحد من الثلاثة عشر هدفا يهدف الى ابطاء معدلات سرعة تحول تركيبة السكان في داخل المملكة الى عولمة المجتمع، حتى خيّل اليّ أن الخطة التاسعة استبدلت هدف تنويع مصادر الدخل بهدف تنويع تركيبة السّكان. لقد وردت كلمة المستدامة ضمن الأهداف العامة للخطة التاسعة مرتين (الهدف الثالث والهدف العاشر) كديكور انشائي ولكن الحقيقة أنه من المستحيل تحقيق الاستدامة في اقتصاد أي دولة من دول العالم من غير توطين عنصر العمل الذي هو أهم عنصر بين عناصر انتاج الناتج (أو الدخل) القومي. عمود الأسبوع القادم - ان شاء ألله - سيكون بعنوان: خطة التنمية التاسعة (هل فيها أهداف جديدة).