على الرغم من تقادم العهد .. وتوالي أحداث الحياة التي تتمخض عنها الأيام والليالي.. ترفض هذه الصور الحية في وجداني أن تموت .! مات صاحبها الأستاذ عبدالغني قستي بصمت .. هو أستاذ الصمت ، وإن كان صمته المعبر في مستوى الجهر وأكثر .! كان يرقب طابور (التلاميذ) القادمين (لفك الخط) في بلاط الصحافة ، ومهنة التعب ، القافزين ، عما قريب أو بعيد ، بتعب أو بلا تعب .. الى المقاعد الوثيرة والمكاتب الكبيرة .! هو يعرف أنهم سيقفزون .. كان يعتبر وصولهم جوائز تقديرية ، يمنحها نفسه بلا منصات ولا قاعات .. وبلا طبل ولا زمر .. كان أستاذ جيلنا وجيل جاء قبلنا .. أستاذ الصمت والسرَحان ، وتلك نعمة ، جعلته خارج حسابات الأرباح والخسائر .. وأتاحت له معالجة لواعج الوجدان بعيداً عن مرارة النسيان والتناسي .! كان يسكن أبيات القصيدة .. يستفزها وتستنزفه .. فيسلّم ناصية كده وجهده لقدر يمضي به لغاية يعرفها .. هناك .. حيث يمضي الأحياء إلى حياة أخرى .. يقدِمون بزادهم على كريم سخيّ ، لا يبخس الناس أشياءهم .. يذهبون بضعفهم الى قوي .. وبفقرهم الى غني .. وبذلّهم الى عزيز .! *** *** من بوح عبدالغني قستي : خدعتنا المنى فكانت سراباً وطوانا الدجى فأين مدانا؟ لم نجد ثَم للنهاية آياً لا ولا للصوى هناك مكانا رحم الله ماضياً كم لهونا فيه والدهر غافل لا يرانا ورعى حاضراً حفيلاً بأعباء ثقال بها تنوء قوانا