فقد الوسط الأدبي والصحفي واحداً من رموز الصحافة والأدب الملتزمين بقيم الأدب الرفيع، ورسالة الصحافة السامية، وأعني بذلك الأديب الذي جمع بين أدب النفس وأدب الدرس، والشاعر المرهف الأحاسيس، والصحفي المخضرم الأستاذ عبدالغني محمد قستي نائب رئيس تحرير جريدة "البلاد" سابقاً الذي ساهم عملياً وأدبياً في خطوات هذه الصحيفة الرائدة منذ أن كانت تصدر في مكةالمكرمة باسم "البلاد السعودية" في عهد ما يسمى "صحافة الأفراد" ثم انتقل معها إلى جدة، وفي مرحلة الدمج أصبح اسمها "البلاد" وواصل الأستاذ القستي الجهد والعطاء في جريدة "البلاد" وتدرج في المواقع المهمة في جهاز التحرير حتى أصبح نائباً لرئيس التحرير وبعد أن شعر أنه استكمل مشواره من خلال الصحافة في أداء واجبه الوطني بكل تفان وإخلاص قرر التقاعد وترك بصماته المضيئة وذكراه الطيبة في سجل رواد جريدة "البلاد" المخلصين. لقد كان الفقيد الأستاذ القستي يؤثر العمل بصمت، وكان زاهداً في أن يكون في دائرة الأضواء، وولكنه كان موضع تقدير واحترام كل من عمل أو تعامل معه من أسرة "البلاد" أو سائر المثقفين، كما تتلمذ على يديه الكثير من الكتاب البارزين الذين يقدرون له ما كان يوليهم من تشجيع وتوجيه حين تولى الإشراف على صفحة "دنيا الطلبة" في جريدة "البلاد السعودية" التي كانت منبراً لأصحاب المواهب الأدبية من طلاب الثانوية الذين أصبحوا فيما بعد من أصحاب الأسماء اللامعة في مجال الصحافة والأدب. وحين يوصف عبدالغني قستي بالأستاذ فهو الأستاذ بكل ما تعنيه الكلمة، وفي محيط أسرة تحرير "البلاد" كانوا إذا استفسرت عن موضوع معين للإضافة أو التعديل يقال لك "عند الأستاذ" وكنت أفهم أن المقصود بالأستاذ هو "عبدالغني قستي" وهو الأستاذ بحق. وحين أصدر الصحفي الرائد الأستاذ حسن قزاز رحمه الله كتابه "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" خص الأستاذ عبدالغني قستي بصفحة من الكتاب بعنوان "أستاذي". وهذه لفتة وفاء وعرفان من الأستاذ حسن قزاز رحمه الله، وهكذا هي أخلاقيات الكبار، وكما جاء في الأثر "الفضل يعرفه ذووه". ومعرفتي الشخصية بالأستاذ عبدالغني قستي منذ عقود مضت في عهد صحافة الأفراد حين كان رئيس تحرير "البلاد" الأستاذ حسن قزاز رحمه الله الذي كنت أزروه في مكتبه بين حين وآخر بصفتي من الكتاب المتعاونين، وحين أصبح الأستاذ عبدالغني قستي نائباً لرئيس التحرير الدكتور عبدالعزيز النهاري وحسب رغبتهما التزمت بكتابة زاوية اسبوعية ثابتة بعنوان "انطباعات" استمرت نحو خمس سنوات إلى أن اعتذرت عن عدم الاستمرار بكتابة تلك الزاوية لمشاغلي والتزاماتي الوظيفية وأن يظل تواصلي في الكتابة عبر "البلاد" كلما وجدت ما يستدعي أن أعبر عنه من آراء وأفكار ومازلت أساهم بجهد المقل في هذه الصحيفة التي تواكب معطيات التطور الصحفي. كما ظل تواصلي عبر الهاتف مع الأستاذ عبدالغني قستي بعد تقاعده حتى السنوات الأخيرة من حياته تجديداً للعهد وتأكيداً للود والوفاء.. وأكتب هذه السطور في غمرة الأسى العميق لفقد هذا الإنسان النبيل الذي تتمثل فيه الأستاذية المثالية. تغمده الله بواسع رحمته، وخالص العزاء لجميع أفراد أسرته الكريمة. والله المستعان.