ثمة مثل محلي دارج على ألسنة العامة يتداولونه عادة في سياقات الكذب والكذابين؛ خصوصا حين صدور كذبة كبرى لا مجال لتصديقها؛ إذ يقول فيه شخص لآخر تمكن من اكتشاف تلك الكذبة دون تعب أو كد : " كيف عرفت أنها كذبة. قال من كبرها"!. هذا –بالضبط- ما ينطبق على التقارير التي نشرها موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم(فيفا) في نسخته الإنجليزية حول الأندية السعودية الثلاثة الهلال والنصر والاتحاد، وفيها صنَّف الأخير على أنه صاحب المركز الأول من بين الأندية السعودية من حيث عدد البطولات الرسمية برصيد(27 بطولة)، في حين عدّ الهلال والنصر متساويان في المركز الثاني برصيد(26 بطولة). زفة عارمة ومنح تقرير (الفيفا) فرصة للمناصرين لناديي الاتحاد والنصر الفرصة لإطلاق زغاريد الفرح؛ وأبواق البهجة، حيث احتفت وسائل الإعلام المحسوبة على الناديين، ومواقعهما الإلكترونية بما جاء في التقرير، إذ اعتبروه فتحاً مبيناً، ونصراً عظيماً، كيف ولا وهو يقلب هرم بطولات الأندية السعودية رأسا على عقب، ويعيد صياغة خارطة المنافسة المحلية من جديد، فبعد ردح من الزمن ظل نادي الهلال فيه متسيداً للأندية السعودية، وزعيماً للقارة الآسيوية ببطولاته التي حصدها بعرق الأبطال وكفاح السنين، جاء تقرير عابر، مملوء بالمغالطات، ومشحون بالأخطاء، ومغموس بالتضليل ليمنح ناديي الاتحاد والنصر ما لم تمنحه المنصات، والملاعب الرياضية. ولذلك جاءت الحفاوة الاتحادية، ومعها الحفاوة النصراوية على قدر الصدمة، إذ لم يتوقع أنصار الناديين لحظة أن تأتيهم الأفضلية على مستوى البطولات جاهزة على طبق من ذهب، ومِنْ مَنْ؟! من موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم. على عينك يا تاجر لكن إذا كانت تلك المغالطات قد انطلت على المحبطين جراء تأخر أنديتهم في سباق المنافسة على البطولات، فهي –بالطبع- لم تنطل على الحصفاء، والمتعقلين؛ إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتصوروا أن تتغير معادلة البطولات بين الأندية السعودية بين عشية وضحاها، حيث لا يمكن لمجنون، فضلا عن عاقل أن يصدق بأن الحديث المُسلَّم به طوال سنين حول فرادة الهلال بأكثرية البطولات من بين الأندية السعودية ليس سوى تضليل وتجاوز على الحقيقة؛ وأن أحداً من المؤرخين لمسيرة الرياضة السعودية، والراصدين لبطولات الأندية فيها، لم يلفته أن الاتحاد هو أكثر الأندية فوزاً بالبطولات، وان النصر يتعادل مع الهلال في حصدها، حتى يأتي تقرير (الفيفا) فجأة ليكشف الحقيقة المغيبة، ويفضح الواقع المتستر عليه. أي عاقل يمكن أن يصدق ذلك؟! لا أحد أبداً، إلا من أعمى التعصب بصيرته، وحجب التشنج ناظريه، وهو ما كان لافتاً في الحفاوة التي استقبل بها تقرير (الفيفا) فوحدهم المتعصبون من أفردوا المساحات، وفتحوا الأبواب على مصاريعها لاستقبال الحدث الجديد، أما العقلاء فاكتفوا بالفرجة المجانية على تلك الحفلة الصاخبة. الحقيقة لا تحجب بغربال ولله در من قال إن (الشمس لا تحجب بغربال)، حتى وإن كان هذا الغربال من صناعة أكبر سلطة كروية في العالم وهي الاتحاد الدولي لكرة القدم، إذ إن تقرير (الفيفا) يدين نفسه بنفسه، إذ لا يحتاج المتابع الحصيف لكثير من التدقيق، أو إعياء النفس لإظهار التضليل الذي حواه ذلك التقرير، فهو –مثلا- حينما صنف الاتحاد على رأس الأندية السعودية في حصد البطولات ب(27 بطولة) احتسب للاتحاد بطولات كأس الامير فيصل بن فهد (كأس الاتحاد) وعددها ثلاث، في حين لم يحتسبها للهلال وهو الذي حقق منها (7 بطولات)، كما لم يحتسبها للنصر؛ على الرقم من تحقيقه لها (مرتين)، وفي وقت لم يحتسب للاتحاد بطولة الخليج التي حققها في العام 1999، كما لم يحتسب للهلال بطولتي الخليج اللتين حققهما عامي 1986، و1998، فإنه احتسب للنصر بطولتي الخليج اللتين حققهما عامي 1996، و1997. أما الطامة الكبرى في التقرير هو الرقم الكبير الذي منحه للنصر في عدد تحقيقه لبطولات الدوري حيث أشار إلى أنه حقق البطولة (14 مرة) بدءا من عام 1966؛ وأنه احتكر الدوري خلال فترة امتدت من عام 1969 وحتى عام 1981، وأن أحدا لم يستطع انتزاعه منه طوال تسعة مواسم، هذا على الرغم من ان الدوري السعودي لم ينطلق إلا في موسم 1976- 1977، وهذه وحدها تسقط التقرير وتفضح كذبه، إذ إن النصر لم يحقق الدوري سوى (6 مرات) هذا مع احتساب الدوري التصنيفي الذي أقيم في موسم 1974-1975. وزاد التقرير من فضائحه، وبعده عن الأمانة والمهنية أنه احتسب للاتحاد فوزه ببطولة كأس ولي العهد (7 مرات) ، واحتسب للنصر فوزه ببطولتي كأس ولي العهد (مرتين) في الوقت الذي لم يحتسب فيه للهلال فوزه بذات البطولة (9 مرات)، وفي حين احتسب للنصر بطولة الخليج كبطولة رسمية، فإنه لم يحتسب البطولات العربية كبطولات رسمية، ما أسقط على الاتحاد بطولة عربية واحدة، وعلى الهلال (4 بطولات). وباستثناء ذلك فإن تقرير (الفيفا) المفضوح والمشبوه في أن أسقط عن الهلال عدداً من البطولات الأخرى ككأس المؤسس، وبطولتي الصداقة الدوليتين، وكأس السوبر السعودي- المصري، وهي ذات البطولة التي أسقطها عن الاتحاد. وماذا بعد؟! يتضح من كل ذلك جملة أمور، أهمها وجود أياد تعبث في موقع الاتحاد الدولي بنسختيه الإنجليزية والعربية، بالإضافة إلى وجود شريحة من الرياضيين يمكن أن تفرح وتطبل لمنجزات ورقية، وذلك في في سبيل إشباع حالة فقر المنجز الذي تعيشه، حتى وإن كان ذلك على حساب وعيها وثقافتها، بل حتى وإن أدى ذلك إلى التندر بها، وفضلا عن ذلك فإن تقرير (الفيفا) أكد بلا جدال أن ما لم يحقق في الملاعب لا يمكن أن ينجز في المكاتب، وهو ما يحتم على الاتحاد السعودي لكرة القدم بضرورة مخاطبة المعنيين بالأمر في الاتحاد الدولي لإيقاف هذا العبث الواضح.