تعتبر مهنة الصيدلة من أعرق المهن وترتبط ارتباطاً مباشراً بمجال صحة الإنسان وتوفير الدواء الذي يخفف عنه ألم المرض ويزيل عنه شبح المعاناة ولاريب أن التطور المستمر في صناعة الدواء يسير بخطى متسارعة ومبشرة كذلك ، حيث الأبحاث المتتالية لرصد مسببات الأمراض واكتشاف ما يحاربها وفق أطر علمية حديثة تسعى إلى محاصرة الأوجاع التي يعاني منها المرضى ، في حين أن المختبرات والمعامل المنتشرة في شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه تعمل ليل نهار على هذا الصعيد ، وكلما تهيأ المناخ المناسب والبيئة الملائمة لدفع مسيرة التطوير في هذا القطاع فإن هذا ولا ريب مؤشر إيجابي يحاكي الطموح من واقع الرغبة معززاً بحرفية الصيادلة أهل هذا الفن وهذه المهنة العظيمة ، وتتجه الدول في إطار خططها المستقبلية إلى تذليل الصعاب أمام أرباب المهن لتتسع دائرة المعرفة وتمتزج بالخبرة والممارسة ! والاحتكاك والاطلاع، أي أن الصيدلي يقوم بعملية مسح وهو يستوعب الحالات المختلفة وصيغة التعاطي للأدوية والإلمام بالآثار إيجابية كانت أو سلبية لتعزيز مهاراته وتطوير قدراته والرفع من مستوى ممارسته لمهنته ليواكب المستجدات ويتجه بخطواته نحو الإبداع والابتكار في هذا المجال الحيوي الواسع ، والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني كلما قرأت عن اكتشافات دوائية ودراسات علمية للتخفيف من هذه الحالة المرضية أو تلك . أين الخبرات الصيدلانية الوطنية ؟ وما هو دورها ؟ وهل منحت الفرصة الكاملة لتترجم سنوات الدراسة والنهل من معين العلم والمعرفة بل والخبرة إلى ممارسة علمية حضارية تنحو إلى التنافس في هذا المضمار؟ أقولها بكل أسف بأن هذه الثروة الوطنية لم تجد البيئة المثالية لتطبيق المفاهيم الحضارية الحديثة وتجسيدها واقعاً على الأرض ، أو على الأقل تحقيق الحد الأعلى من الانسجام بين الفكر الإداري المشبع بالمسكنات والحلول الوقتية وتوجهات أرباب هذا الفن وهذه المهنة ، ويبدو في تقديري بأننا نمشي عكس التيار لا سيما في مجال احترام الخبرات ومنحها الاعتبار فضلاُ عن الاهتمام والتحفيز في حين تعتبر في الدول المتقدمة هي القاعدة التي تنطلق منها الرؤى العلمية الخلاقة ، ففي الوقت الذي يزيد اهتمام المنشأة الصحية في الخبرات وتحديداً في هذا المجال المتجدد والمتطور ، نجد هذا الاهتمام يتناقص في بيئتنا ، دعوني أكون موضوعياً في تحليلي وأطرح مزيداً من الأسئلة لأثبت بأن الانسجام بين البيئة الحاضنة للتطوير وهذه الخبرات تفتقر إلى التفعيل ولا زالت شكلية تقليدية بكل ما تعنيه الحروف ، كلية الصيدلة العريقة أسست قبل 40عاماً وتوالى افتتاح هذه الكليات العلمية تباعاً في أغلب الجامعات السعودية ، واتسم التعليم الصيدلي إبان تلك المرحلة بالقوة ومازال من حيث تأهيل وتهيئة الشباب والفتيات للانطلاق في الوقت الذي يُنتظر من هؤلاء الخريجين والخريجات قيادة هذا القطاع شكلاً ومضموناً من خلال الإدارة والإشراف والتنظيم والتعليم ، فأين هم خريجو الدفعات الأولى من هذه الكليات وأين مواقعهم ؟ خبرات متراكمة تنوء بصنوف العلم والمعرفة والخبرة والدراسة والممارسة بل والاحتكاك مع شرائح المرضى ، أين هي من المواقع القيادية الفعلية لتضخ هذه العلوم والمعارف في شرايين الصحة والاقتصاد، كل مانجده إما التسرب من هذه المهنة أو التنقل من مكان إلى آخر ناهيك عن صنوف التضييق والتطفيش ولاغرابة في ذلك طالما ان من يمسك الزمام من الخارج وكل همه ازاحة المبدع والمتميز عن الطريق حينما تُختزل المسؤولية الأدبية بخطط الارتجال الوقتية والاتكاء على وفرة المال لاستقطاب خبرات أجنبية تقود القطاع في أزمة ثقة أفرزها المفهوم البيروقراطي المترهل والذي يؤثر الإنجاز الوقتي بمعزل عن النظرة البعيدة الشاملة والتي تدعم الاقتصاد أيضاً ، أتمنى أن تطرق الشفافية هذا الجانب لتزيح الستار عن مكنونات المشاعر التي تعبر عن هذا الواقع لا سيما وبلادنا ولله الحمد تزخر بطاقات وطنية عاملة في هذا المجال وعلى قدر كبير من المسئولية والمعرفة واكتسبت خبرة لايستهان بها في هذا المجال بين أروقة المستشفيات ومن خلال الدراسات العليا والدورات الفنية المتخصصة ، غير أنها تؤثر الانزواء طالما أن بيئة العمل فاقدة للاستقرار فضلاً عن عدم تبني برامج وطنية طموحة تنحو إلى مسايرة الركب ومواكبة المستجدات المتسارعة في صناعة الدواء ،أرتال من المفاهيم المعيقة للطموح حينما ينشغل الصيدلي بالمحافظة على (أكل عيشه ) فيما تتحول هذه الرسالة النبيلة التي في ذهنه أيام الدراسة إلى هدف قصير غايته تأمين سبل العيش ، وليس الطموح وتأمين جيل يتطلع إلى صناعة دوائه بيده ، زعزعة الثقة بهذا الصدد، أمر كنا نعتقد أننا تجاوزناه، إن المسؤولية الوطنية تحتم بأن تقيم الأمور برؤية ثاقبة، وهذا لن يتأتى إلا بضخ مزيد من الثقة بالكوادر الوطنية، كلنا أمل بمعالي وزير الصحة الإنسان الذي سطر اسم الوطن بأحرف من ذهب بأن يعيد لهذا القطاع بريقه من واقع الرصد لهذه الحالات وان تكون الشفافية معبراً لشحذ الحماسة في سياق التطوير والابتكار وصولاً بإذن الله الى تسجيل براءات اختراع سعودية طالما بقي الإخلاص مؤشراً لتذليل الصعاب أمام جيل التقنية الواعد، في حين أن المؤشرات الإيجابية لا سيما في الفترة الأخيرة باتت تتجه نحو الطريق السليم من الناحية المادية غير ان الناحية المعنوية تعتبر فرس الرهان في أي سباق يطمح إلى تسخير العلوم والمعارف لخير البلد وأهله .