قد تسأل نفسك عند دخولك صيدلية خاصة، هل أنا في المكان الصحيح لتوفير وبيع الأدوية والمستلزمات الطبية أم في محل لبيع مستحضرات وأدوات التجميل؟. وستطرح سؤالاً آخر عند خروجك من الصيدلية وأنت تحمل "علك" أو جزءا من مكون حلوى ماصة للحلق هي باقي حسابك، هل أنا خارج من سوبر ماركت؟. وسيفاجئك إعلان على أحد أبواب تلك الصيدليات بإيصال الطلب إلى منزلك، لتطرح سؤالاً ثالثا على نفسك.. هل أنا في مطعم؟. ووصلت الصيدليات الخاصة إلى حد يشبه محلات بيع مستحضرات التجميل، من خلال غلبة تلك المنتجات وإعلاناتها على مثيلاتها الطبية، فتجد إعلانا عن مواد لتفتيح البشرة وأخرى تمنع تساقط الشعر ومثلها لصبغة، وفي زاوية تمركز إعلان لإزالة الهالات السوداء من تحت العين. كما دخلت الصيدليات في منافسة مع البقالات والمطاعم من خلال التوصيل المجاني، بالإضافة إلى العروض الشرائية والسحوبات المتنوعة. مصادرة باقي الحساب ولم تتوقف الصيدليات عند هذا الحد، بل يلجأ معظمها إلى مصادرة بقية حساب العميل الذي عادة يكون هو المريض، فعند الشراء يتبقى جزء من الريال فيعمد البائع إلى إكمال المبلغ على حساب الزبون، وعند المطالبة بالباقي تكون الإجابة موحدة وجاهزة "نحن نتنازل عن العملة الأقل من نصف ريال وما يزيد عن النصف فهو لنا"، في حين تلجأ صيدليات إلى احتساب الهللات وإعطاء المريض "علك". وهو ما يفتي بجوازه صيدلي بقوله "استشرت أحد المشايخ المفتين، وأفتى بجواز مصادرة المبالغ الصغيرة في ظل التنازل عن المبالغ الصغيرة من الهللات". سعودة الصيدلة ورغم صدور تعميم وكيل وزارة الصحة للشؤون التنفيذية، الذي يفيد بسعودة القطاع الدوائي وقطاع الوكلاء والمستودعات، إلا أن الوافدين يشغلون مستودعات الأدوية، ويعملون مندوبي شركات للأدوية، في ظل بحث الكثير من الشباب السعودي عن فرص وظيفية. وجاء في التعميم "تحقيقاً للمصلحة الوطنية بعد التنسيق بين وزارة الصحة والداخلية ومجلس القوى العاملة، والذي يفيد بضرورة سعودة جميع وظائف مستودعات ووكلاء الشركات"، كما اشترطت هيئة الاختصاصات الصحية بالمملكة الحصول على درجة الماجستير في الصيدلة للصيادلة العاملين في القطاع. وطالب المختصون بتطبيق "اختبار المعادلة الموحد على كل العاملين من مختلف الجنسيات"، وطرح مميزات مغرية للشباب السعودي المختص للعمل في القطاع الطبي الخاص الذي يوفر نحو 22 ألف وظيفة لا يتجاوز عدد السعوديين منهم 200 صيدلي. أمان وظيفي كما أن هناك عددا من الصيادلة السعوديين تركوا القطاع الخاص واتجهوا إلى الحكومي الذي أمّن لهم مميزات مالية وأخرى إدارية. ويعمل الصيادلة في 3 مجالات بالقطاع الخاص: في المستشفيات، والصيدليات، وشركات الأدوية، التي يسيطر عليها غير السعوديين، خصوصاً أن القطاع الحكومي هو هدف الصيادلة السعوديين. يذكر أن هناك الكثير من الصيادلة العاملين غير سعوديين في الصيدليات الخاصة لا يحملون مؤهلاً عالياً، وكثير منهم في هذه الصيدليات يمارسون العمل بالخبرة، وليس بالشهادة المحددة بالبكالوريوس أو الماجستير من قبل هيئة الاختصاصات الصحية في المملكة. كما يركز ملاك الصيدليات، على جنسية واحدة وهي الجنسية المصرية التي تمثل نحو 80% من العاملين في صيدليات المملكة، وقد أعلنت هيئة التخصصات الصحية عن فتح المجال للجنسيات المتعددة في مهنة الصيدلة بالقطاع الخاص، وجاء ذلك بناءً على مطالبات اللجنة الطبية بغرفة الرياض بإعادة النظر في تصنيف شهادة البكالوريوس في مجال الصيدلة الصادرة من بعض الدول. عزوف عن الخاص من جهته قال الصيدلي بسام محمد الحسين (مواطن) "الصيدلي يؤدي خدمة إنسانية تجاه المرضى، متسمة بالأمانة المهنية التي تلزم الصيدلي بصرف الدواء الصحيح، وتحديد وقت تناوله"، مشيراً إلى واقع الصيدلي السعودي ودوره في صيدليات القطاع الخاص، بقوله "الغالبية العظمى من الصيادلة السعوديين يفضلون العمل في صيدليات المستشفيات الحكومية بسبب الرواتب المجزية، وتطيبيق آخر ما توصل إليه العلم من التقنية والتطوير في العلوم الصيدلية". وأضاف الحسين "يمارس الصيدلي دوره ومهنته في الصيدليات الحكومية بفعالية، مثل الصيدلي الإكلينيكي، وكذلك تحضير المحاليل الوريدية بأنواعها وتعليم المرضى طريقة تناول الدواء في خصوصية تامة في الصيدليات الخارجية، أما في القطاع الخاص سواء المستشفيات أو الصيدليات المنتشرة بالأسواق نستطيع أن نجزم أنه لا يوجد صيادلة سعوديون يعملون فيها"، وتابع "بل جميع من يعمل في الصيدليات الخاصة من الوافدين، بسبب تدني الرواتب التي لا ترقى إلى احتياج المواطن، ويقبل بها غيره، إضافة إلى أن العمل في هذه الصيدليات الخاصة يتطلب التواجد لساعات طويلة من العمل"، وأضاف "كما أن الصيدليات الخاصة تقليدية في عملها، ولا يوجد أي تطوير في أدائها، ولا يمارس الصيدلي مهنته بها كصيدلي، علمًا بأن بعض الصيدليات الخاصة في الخارج، تطبق نفس عمل صيدليات المستشفيات، ويوجد في كل صيدلية ملف للمريض لمراجعة تاريخه الدوائي، ويقوم الصيدلي بتتبع حالة المريض أولاً بأول، حتى إن بعضها يقوم بتحضير المحاليل الوريدية، لكن الهدف الأساسي للصيدليات التي تفتتح في الأسواق هو الربحية، وهذه الصيدليات تصرف أدوية من غير وصفات طبية". وقال الحسين "يلاحظ أن الصيدلانيات من المواطنات أكثر من الصيادلة الرجال، وبالتالي لا تستطيع العمل في القطاع الخاص، لكننا في المقابل يجب ألا ننكر دور مصانع الأدوية بالمملكة في استقطاب الكثير من الصيادلة المواطنين للعمل بها كمندوبي تسويق، أو مديري مصانع أو مديري إنتاج وغير ذلك". وأكد أن هناك حقيقة يجب الاعتراف بها، وهي أن هناك نقصاً شديداً في عدد الصيادلة السعوديين الذي يحتاجه السوق المحلي الخاص أو العام، بسبب صعوبة القبول في كليات الصيدلة في الجامعات السعودية، وبالتالي عدد الخريجين يكون قليلاً. وتحدث الصيدلي وليد الفريدي إلى "الوطن" قائلاً "يعزف الصيدلي السعودي عن القطاع الخاص بسبب ضعف الراتب وما يقابله من عدد ساعات أطول من العمل". ويقول الفريدي "توجد عقبات في القطاع الخاص، لأن الصيدلي يعامل كمراسل في الدوائر الحكومية، وليس كصيدلي يحمل بكالوريوس، ومديري الشركات والمسؤولين يفضلون الأجنبي، لأن راتبه نصف راتب السعودي، ومطيع في العمل وأسلوبه في مقابلة الجمهور جيد". وهو ما خالفهما فيه الصيدلي خالد الرميح بقوله "على الصيدلي السعودي أن يثبت وجوده أولاً، والعمل بكد وتعب حتى يصل في النهاية إلى ما يريد". أشقاء من جانبه، برر عضو اللجنة الطبية الرئيسية بالغرفة التجارية بالرياض الصيدلي بسام بن علي العبيد احتكار مهنة الصيدلة على جنسية واحدة بقوله "الجنسية المسيطرة هم أشقاء لنا مسلمون عرب ندين لهم بالكثير من التقدير في قطاعات عدة مثل التعليم والصحة منذ زمن بعيد" وأضاف "ونظرا لعدم الاكتفاء من الصيادلة السعوديين حيث لا يتجاوز عدد الخريجين سنويا 100 صيدلي من 7 كليات للصيدلة في المملكة أغلبها ناشئة، وتابع "كما أن معدل الرواتب في المملكة والحياة المعيشية مغرية للكثير من الصيادلة العرب والأجانب، لكن عائق اللغة بالنسبة للأجانب يقلل فرصهم". وعن لافتات التوصيل للمنازل التي تضعها بعض الصيدليات، أكد الرميح "التوصيل للمنازل مخالفة صريحة لتعليمات وزارة الصحة، وتعاقب عليه إدارات الشؤون الصحية عند ثبوتها بغرامات مالية" وعن العروض الخاصة بجميع الأدوية المسوقة في المملكة أكد أنها "خاضعة لتسعيرة ثابتة، وموضحة على كل دواء وشرط من شروط تسويق الدواء في المملكة، وتتابع وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء ذلك بشكل مباشر، وتحاسب بشدة من يتجاوز الأنظمة والتعليمات بهذا الخصوص أما بالنسبة لباقي المنتجات الموجودة في الصيدليات فهي خاضعة للعرض والطلب شأنها شأن باقي السلع في المملكة فهي سوق مفتوحة". ثقافة سعودية وبشأن التعامل بأجزاء الريال عند بقية الحساب وتعويض العميل بعلك أو حلوى ماصة، قال عضو اللجنة الطبية الرئيسية بالغرفة التجارية بالرياض "إنها ثقافة مجتمع، فلقد تعود المجتمع السعودي على عدم التعامل بأجزاء الريال، فأصبح التعامل بها حسب العرف القائم، وهو إما إعطاء الفرق بمنديل أوعلك أو جبر الكسر لصالح الزبون، إذا كان أقل من نصف ريال أو للصيدلية إذا كان أكثر من ذلك. وعن نسبة الصيادلة السعوديين في القطاع الخاص أوضح الرميح "النسبة تكاد تكون قليلة جدًا، إن لم تكن منعدمة، نظرًا لوجود عروض أفضل في القطاع الحكومي، حيث صنفت المهنة على أنها ضمن المهن الطبية النادرة للسعوديين، وأيضًا وجود عروض أفضل في الشركات كمسؤولي مكاتب علمية أو مندوبي دعاية طبية. وأكد الرميح أن مهنة الصيدلي من أرقى المهن الطبية منذ القدم، وقال "يفرض الصيدلي احترامه بتعامله الراقي مع الزبائن، وبإعطائه المعلومات الصحيحة المفيدة عن استعمال الدواء والتحذيرات الخاصة به، مما يشعر المريض بضرورة دور الصيدلي وأن العملية ليست مجرد صرف دواء دون أي دور" واستدرك "ولا يعني ذلك عدم وجود من يسيء للمهنة، بل شأنها شأن المهن الأخرى، حيث يوجد من يبحث عن الربح المادي، دون النظر لمصلحة المريض، أو تخفيف العبء المالي عليه" وتابع "كما أن المجتمع السعودي، خصوصًا الفئة الأمية منه لا تزال تجهل دور الصيدلي، وهذا القصور قد تتحمله جهات مثل الجمعية الصيدلية السعودية بعدم تكثيف التوعية لدى المجتمع بدور الصيدلي".