ثمة معادلة متجانسة عند قراءة جدلية العلاقة بين الإنسان والمكان، تلك العلاقة القديمة منذ الأزل، فالمكان هو الطبيعة، والإنسان هو (روح) الطبيعة، إنها فلسفة غامضة عند تحليلنا لهذا التجانس الفريد، يرى (schulz:1980) ان البيئة تكون ذات معنى عندما يبدأ الإنسان يشعر بالانتماء إليها، وأن هوية المكان ترتبط بمفهوم المعنى، حيث يمثل المعنى وظيفة أساسية تتضمن الاحساس بالمكان والتفاعل معه». إن أهم عامل يجسد علاقة الإنسان بالمكان هو «درجة الانتماء» فكلما ارتفعت كان الإنسان أكثر اهتماماً ببيئته المكانية، والشعور بالانتماء إلى المكان احساس يبعث في داخل الإنسان طاقة كبيرة تنطلق بصورة مباشرة ومركزة لتطوير هذا المكان الذي ينتمي إليه، لأنه يشعر بأن تطوير المكان هو تطوير لذاته بالدرجة الأولى. قد يكون هذا المكان «مدينتك» أو «منزلك» أو «مدرستك» أو «مكتبك» أو حيز فراغي تمارس فيه حياتك أو وظيفتك أو نشاطك، وربما يندرج ذلك على «ذاتك» و«نفسك»، فوصف المكان هنا قد يكون مجازياً ونسبياً أيضاً، مهما يكن فالمعنى واحد. إن نقطة البداية لجميع الانجازات هي الرغبة (نابليون)، فتطوير المكان الذي تنتمي إليه مهما كان حيزه المادي أو المعنوي، لن يكون إلا بالتزامك بمبادئ وأخلاقيات العمل Ethics وبمشاركتك لمحيطك من أفراد وجماعات، تذكر دائماً أن الأفراد هم مصدر الميزة التنافسية competitive advantage لذلك المكان ولن يتأتى التطوير إلا بتكوين فريق عمل يمتلك الرغبة والإرادة - بغض النظر عن امكاناته - فالرغبة كفيلة بصناعة الامكانات والإرادة قادرة على توظيفها ان أهم عنصرين في بناء فريق العمل هما: «الثقة» و«التحفيز»، لأنهما حجر الزاوية في أي مهمة ستضطلع بها، ولأن الأعمال المرموقة والمهام الجسام تبنى على أسس من مبادئ «الاحترام» و«الإنسانية الكريمة» و«الأخلاقيات السامية» التي تبني الشخصية المهنية قبل كل شيء - إذا ما أردت أن تبني عملاً مؤسسياً للمستقبل يتوافر فيه مقوم الاستمرارية - أما إذا استخدمت «السلطة» أو «السيطرة» كعنصري إدارة لهذا المحيط فتأكد حينها أن طموحات من يعمل معك ستراوح مكانها، وأن إرادتهم لن تتجاوز ظل وقوفهم، وستكتشف أن ثمار عملك لن تتجاوز حوض الشجرة التي قمت بغرسها. عليك أن تتفهم ظروفهم وتتعامل معهم وفق مبدأ «من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ» انظر إلى الجانب المشرق من العمل، كن ذا تفكير ايجابي تجرد من السوداوية، لا تحاول أن تصدر حكماً على الآخرين وفقاً لما تسمعه عنهم فقط، واحذر ان تشكك في أمانتهم، خاصة أولئك الذين يتمتعون بحس راق، لأن ذلك سوف يفقدهم الثقة به، ومن ثم يتسلل إليهم الاحباط من جراء العمل معك. إن بناء المعنويات من خلال الثقة والتحفيز مهارة يتحلى بها كل من يمتلك لياقة ادارية عالية ومهارة في فن التعامل مع الآخرين، لأن العمل في بيئة ضاغطة «سلبا» سيولد الاحباط لدى أفراد فريق العمل والشعور باللامسئولية، فغياب الثقة والتحفيز يعد تحطيما للمعنويات ومقصلة للإرادة والطموح، وإذا ما فقدت المعنويات فقد الحماس، وتلاشت الهمة، وظهر الملل، فبناء أي مكان وتطويره والانتماء إليه يحتاج إلى «طاقة» «تولدها» روح الانتماء لهذا المكان، والانتماء لن يوجد دون تحفيز ذاتي داخلي. قال الإمام ابن القيم الجوزية - رحمه الله - لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته، لأزاله، عندما تقرر أن تنتمي لمكان ما، يجب عليك أن تكون في مستوى العلاقة بينك وبينه، فالفرض هنا يحتم عليك صياغة استراتيجية محددة لبناء مستقبل هذا المكان، وإطلاق كل طاقاتك من أجل تطويره والعناية به وتحقيق أهدافك نحوه، سواء كان مدينة أو مدرسة أو منزلا أو مكان عمل، وأين تكن عملية التطوير تلك فإنها عبارة عن ساحة معركة، ليس مع الخصوم، بل مع الذات، صراع مستمر من أجل الوصول إلى الهدف. فكل منا لديه أحلامه وطموحاته في الارتقاء بنفسه وذاته من خلال ارتقائه بمكانه أو مدينته أو مدرسته أو منزله أو مكتبه أو متجره، تلك الأحلام والطموحات التي رسمت الطريق إلى الهدف، وولدت الإرادة القوية نحو تحقيقه من خلال الاقتناع والتزام ذلك الهدف، وبالقدرة على القيام به self-efficacy إن خوض هذه المعركة يتطلب منك أن تكون قوياً وصامداً ومثابراً وذا لياقة معنوية عالية جداً، وأن تكون ذا فكر سام، وأن ترتقي بأخلاقياتك، وتحافظ على توازنك، ثق تماماً أنك في معركة تطوير المكان ستخوض منازلات من العيار الثقيل وأن الطريق للوصول إلى أهدافك لن يكون سهلاً ولا مفروشاً بالورود، وأن الحفاظ على مبادئك سيتطلب منك المقاومة الجادة، ومواجهة المواقف بكل ثبات. ثق انك لن تجد بيئة ذلك المكان خصبة للتطوير ولا مثالية للعمل، بل ستجدها مملوءة بكثير من المعوقات، وستواجه العديد من التحديات بل ستكون تلك المعوقات والتحديات هي العناصر الأساسية في رحلة تحقيق الهدف، لا تنظر إلى ضعف مواردك وامكاناتك، بل انظر لكبر طموحك وعلو همتك، ولا تلتفت للمثبطين وذوي الهمم الدنيا، لا تأبه بهم، ولا تستمع إليهم، تجاهلهم ولا تمنحهم أي مساحة من تفكيرك ولا من وقتك، أعرف دائماً أن هناك من يختبئ في الجحور ويحاول أن يئد كل فكرة طموحة، ويشوه كل انجاز فريد، ويحاول أن يبني مجداً شخصياً على حساب الآخرين، وأصل المضي قدماً نحو الأمام، اصنع لنفسك جداراً من فولاذ، تحمي به إرادتك وطموحك. تذكر دائماً أن تتعايش مع الخصوم، وأن تكون ذا خلق في تعاملك معهم، وليكن سلاحك معهم التسامح والاخاء، وردك عليهم الانجاز تلو الانجاز، لأنهم من سيكون وقودك للانطلاق نحو هدفك كلما استكان بك الموقف. أعلم أن هناك أناسا لا يعجبهم نجاحك ولا ثقتك بنفسك ولا قوة إرادتك، سوف يسعون في التأثير عليك بانتقادهم وليس نقدهم، كن ذكياً في تعاطيك مع النقد، فهناك نقد يراد به تقويمك وتحفيزك فعليك أن تعمل به وتستفيد منه وتصنع منه داعماً في رحلتك الطويلة، وهناك آخر يراد به إعاقتك وتحطيمك فتجاهله، وانزعه من قاموسك، ولا تدعه يؤثر في معنوياتك، لا تقلق! ثق انك ستمتلك الخبرة الكافية في التمييز بينهما وستشعر بقدرة كبيرة في التعاطي معهما، ولا تدع الآخرين يقودنك بنقدهم لك، بل تول قمرة القيادة بنفسك، ولا تلفت إلى الوراء، فالعداء الماهر يضع عينيه على خط النهاية، أبحر إلى عرض البحر وواجه الأمواج، دع الساحل لمن يعشقون الهوان، تذكر أن «السفن آمنة عندما تكون في المرفأ.. لكنها لم تصنع لذلك» يقول Jawaharlal Nehru إن النجاح يكون من نصيب من تحلوا بالشجاعة ليفعلوا شيئاً، لكنه نادراً ما يكون من نصيب الخائفين من العواقب. إن معركة التطوير لنفسك وذاتك ومكانك - أيا كان - ستصنع منك شخصية قوية قادرة على التحمل وصناعة التغيير مهما كانت الظروف والتحديات. لا ترضى أن تكون هامشياً تتأثر ولا تؤثر، كن فاعلاً في بيئتك ومجتمعك، أو كما قيل: وكن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مر وهذا الأثر، تذكر دائماً أن لا تستعجل النتائج، تحلى بالصبر والأناة، لأن المعارك الطويلة تصنع رجالاً أقوياء وتثمر عن مكاسب ثمينة، أعلم ان الأجيال القادمة ستذكر لك ملحمة الصمود هذه، عندما تجني هي ثمار غرسك وعملك، لا تتردد، ثق بأنك قادر على خوض هذه المعركة نحو هدفك. أخيراً، رسالة إلى كل طموح، تذكر دائماً انه للوصول إلى هدفك لابد أن تكون «نزيهاً» و«مخلصاً» والأهم من ذلك كله أن (لا تتنازل عن طموحاتك). * باحث متخصص في علوم التخطيط والتصميم العمراني وإدارة المدن رئيس بلدية محافظة المجمعة