كان البوح بالمشاكل النفسية والأسرية للأقربين في السابق خط أحمر لدى الكثير من الناس لا يمكن تجاوزه؛ بسبب العادات والتقاليد التي ترسبت في أذهان المجتمع لسنوات طويلة، حيث أجبرت المتغيرات المتسارعة على واقع الحياة أفراد المجتمع الذهاب إلى مراكز الاستشارات النفسية والأسرية؛ وهو ما زاد من أعداد هذه المراكز، وتنوع أساليبها في استقبال مشاكل المراجعين، وإحاطة المعلومات التي يحصلون عليها بالسرية الكاملة. حاجة ملحة ونوه "د.حاتم الغامدي" -المستشار بمركز إرشاد لخدمة الاستشارات الاجتماعية بجده التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية- بأهمية وجود تلك المراكز وانتشارها لتنمية الوعي لدى أفراد المجتمع، مشيراً إلى أن مركز الإرشاد يقوم بانتقاء الأشخاص ذوي الخبرة في تخصص علم النفس وعلم الاجتماع بالإضافة إلى الدبلومات المساندة التي تقدم لهم في تأهيل برامج الأسرة، وادارة الجلسات الأسرية، مبيناً أن المركز يقوم بعمل الجلسات ومتابعتها، كما يقوم المستشار باقتراح برنامج معين ومهام مجدولة. الثقة والمصداقية وتحدثت الأستاذة "نهى الحميد" أخصائية الصحة العامة -وتعمل بأحد المراكز الاستشارية- أن تلك المراكز أصبحت تستقطب الكثير ممن يبحثون عن حلول لمشاكلهم، مرجعة سبب ذلك لثقة المصدر ومصداقيته. وقالت:"إن تلك المراكز منتشرة مع وجود مختصين، إلاّ أن افتقارها عن الإعلان عن نفسها يصعب على أفراد المجتمع الوصول إليها"، مقترحة أن يكون لدى تلك المراكز قاعدة بيانات على الانترنت حتى يتمكن الجميع من معرفتهم. وأضافت: أن المشاكل التي ترد لمراكز الاستشارات لابد أن توثق بنموذج يكتب فيه الاسم، والعمر، والجنس، والمشكلة، وطرق حلها، وتوقيع المستشار لحفظها في حالة الرجوع إليها، داعية من يقدّم الاستشارة بضرورة زرع الثقة لدى الشخص المستشير، والدعم النفسي له، والتركيز على الجانب الروحي، وتحليل الأمور بطرق سليمة، ومساعدته في إنارة ذهنه وإيضاح الحقائق له. والتقت "الرياض" بعدد من المستفيدات من هذه المراكز الاجتماعية، حيث أبدت "أم عبدالرحمن" إعجابها بتلك المراكز، قائلة: "كنت متخوفة منها، ومن مصداقيتها، لكن بعد تجربتي وجدت الحل لديهم"، مشيرة إلى أنها حين تستشير أحد أقاربها يتحدثون معها بتفاصيل تزيد من حدة المشاكل دون تقديم الحلول والبدائل المناسبة. ..وأخرى تتواصل مع إحدى الأسر عبر «الماسنجر» ردة الفعل وفي المقابل أظهرت "فاطمة سالم" تخوفها من عدم استجابة المركز للمشكلة التي تواجهها، وقالت: "لا أستطيع أن أجرؤ في بعض الأوقات للاتصال بهم، أو طرح مشكلتي؛ خوفاً من ردة الفعل التي قد تواجهني منهم، وعدم مقدرتهم على حلها، وربما قد تزيد حدتها لدي، فغالباً ما أطرح مشكلتي على أحد المنتديات كي لا أجد ملامة صريحة مباشرة من أحد". أقاربي محل ثقة وتوافقها الرأي "أم نواف" من طرح مشكلتها لتلك المراكز وإيجاد الحل بوقت سريع، وقالت:"من أقوم بطرح مشكلتي عليه قد لايكون عالماً بأبعادها وحجمها ولم يتعايش معي، وجاهلاً لأمور قد لا أستطيع أن أتحدث عنها لخوفي من تفسيره لها بمنظوره الخاص، وبالتالي قد لا يجد الحل الأمثل لها، أو يعطي حلولاً غير صحيحة وغير مقنعة"، مشيرة إلى أنها عندما تلجأ إلى أحد أقاربها يفترض أن يكون محل ثقة، وله دراية كافيه بحياتي الخاصة وبمجتمعي وبالبيئة التي أعيش فيها، وقد يكون رايه سديداً وأعمل به. وتضيف "موضي فهد" أنها تقوم بالاستشارة لكن عبر بريدها الالكتروني، وقالت:"وضعت بريد مخصص للاستشارات ولا يعرفه أحد كي أقوم بطرح مشكلتي وأنا مطمئنة"، وتشاركها الرأي "سهام محمد" التي تقوم بطرح المشكلة عبر البريد الالكتروني كي لاتسبب في أي إحراج لنفسها أمام من تخاطب، ولكي تكتب كل ماتريد بلا قيود، أما الاتصال أو المقابلة فاعتبرته شي محرج بعض الشيء. تنفيس وطلب مساعدة.. وطالبت "د.عواطف العبيد" مستشاره الحوار الأسري بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الجمعيات الخيرية بتبني مراكز استشارية بشكل أكبر تضم كوادر مهيئة أكاديمياً في تلك التخصصات، وأن تكون أكثر خصوصية وسرية، وأن يجد الشخص الألفة والأمان النفسي لخدمة أكبر شريحة من المجتمع. وقالت:"إن تلك المراكز فرضتها الحاجة لكثرة الضغوط النفسية والاجتماعية والأسرية وتشعبها مما تحتاج إلى مرشد لحلها"، مشيرة إلى أن عدم رغبه لجوء الشخص إلى الأصدقاء والأقارب وعديمي الخبرة جعلته يسلك طريق مراكز الاستشارات ليجد الحل الأمثل، والبعض يلجأ إليها للتنفيس عن المكنون الذي بداخله، كما ترى أن بعض المشاكل تحتاج الى وقت للتمعن بها وابداء الحلول، خاصة إذا كانت متشعبة، كما أن البعض منها قد يتطلب وسيلة اتصال مباشره كشعور الشخص بالإحباط واليأس. شروط الاستشارة وأوضحت "د.مزنة الجريد" مستشارة أسرية أن مراكز الاستشارات ماهي إلاّ مساعدة إلى ايجاد الحل، فالكثير لم يدرك معنى الاستشارة ويعتبرونها مكان لطرح مشاكلهم وإيجاد الحلول السليمة في وقت قصير. وقالت:"إن هناك الكثير غير المؤهلين لتقديم الاستشارات ويواجهون تخبط وعدم توازن في فك رموز المشاكل، وإعطاء حلول قد تكون خاطئة وغير سليمة"، مؤكدة على أن عدم الصراحة في تقديم الاستشارة أو الاستمرارية فيها سبب في تعميق المشكلة وتعقيدها، كما طالبت ممن يقدم الاستشارة بمخافة الله أولاً، والبعد عن العواطف والظروف والتجارب الخاصة في لحظه الاستماع إلى المشكلة، وعدم إبداء الحلول السريعة، بل مساعدة الشخص في التفكير فيما يعاني منه. دور الشؤون الإجتماعية وشجع الأستاذ "عبدالعزيز الهدلق" وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية المساعد للتنمية الاجتماعية الجمعيات الخيرية على إقامة مثل هذه المراكز الاستشارية ضمن المناشط والفعاليات التي تقدمها، مرجعاً ذلك لكثرة الظواهر الاجتماعية، داعياً أن لا تكون هذه المراكز مخصصة فقط في الإرشاد، وإنما تتشعب إلى البرامج الوقائية والتوجيهية والتوعوية، إلى جانب عمل لجان التنمية الاجتماعية التي تحوي مراكز استشارية ومتخصصة في تنمية الأسرة.