أنت دائما على صواب! ألا تظن أن هذا تصور واعتقاد ساذج؟ لكن ما أدراك أنك وحدك تملك مفاتيح الحكمة والرأي السديد؟ كيف يمكنك أن تحكم على نفسك؟ هل حياتك نموذج مثالي يجب أن يحتذى به؟ هل أنت هذا الشخص الذي لا يخطئ لا ينفعل لا ينحاز لا يضحك على نفسه لا يتشوش تفكيره لا يشعر بالعجز أمام مشكلة بسيطة لا يشله الخوف لا يضيعه الطمع لا تؤثر فيه نظرة الآخرين؟ أسئلة كثيرة قد تدور في ذهنك إذا كنت من هؤلاء الذين يجيدون التأمل في ذاتهم وفيما حولهم أو قد لا تفكر فيها لأنك مشغول فقط بسماع صوتك ولا تعرف سوى أفكارك ولا ترى سوى صورتك في المرآة! حين تتابع صامتا حوارا بين اثنين أو ثلاثة أو مجموعة أصدقاء يتبادلون الكلمات و الضحكات والآراء في المقهى أو في الملحق أو في صالون المنزل أو بين زملاء عمل في اجتماع ما يتناقشون بجدية حول أمر مهني بحت قد يلفت نظرك ذلك الذي يتحدث كثيرا بثقة و اعتداد مبالغ فيه أحيانا، نابع من الغرور في أحيان أخرى، ثقة مغشوشة في بعض الأحيان وصادقة لها ما يبررها في أحيان أخرى. وتجد أن نبرة الحديث وطريقة الكلام تجعل الآخر يتراجع أو يصمت حتى وإن كان يملك الحجة والبرهان ورأيا يستحق أن يسمع أو أن يقال أو على الأقل يطرح على طاولة النقاش. العيب قد يكون في هذا الآخر الذي ينهزم أمام صوت عال أو تصرفات خادعة والعيب قد يكون فيمن ينبهرون بمن يدعون أنهم وحدهم يملكون المعرفة، والعيب قد يكون في هذا الذي لا يملك الثقة كي يعبر عن رأيه بدون أن تحجمه ثقة مصطنعة! البعض منا لا يحب أن يسمع إلا صوته، ولا يحب أن يناقش إلا أفكاره ولا يكلف على نفسه ليمشي خطوة صغيرة في محاولة معرفة ما يجري حوله أو لسماع همسة أو جملة رمى بها شخص آخر، لأنه ببساطة يعتقد أنه الأفضل، لأنه يعتقد أن هذا الآخر أحمق قليل المعرفة مقارنة به، لأنه مخدوع بذاته ومشغول بها. تلفت نظري دائما الطريقة التي ندافع بها عن آرائنا ودائما أنشغل بمدى جديتنا في الدفاع عن هذه الآراء، وهذا يدفعنى للتساؤل؛ هل ندافع عن آرائنا لأننا حقا مقتنعون بها أم لأننا فقط نظن أننا وحدنا الذين نعرف؟