(س) يعرف تماماً الاستثمارات العقارية.. ويحرص دائماً على أن يغذي سلاله الاستثمارية بالعمائر التجارية التي يقترب إيرادها من حاجز 12% كلما توفرت لديه السيولة.. ولذا لم يدع الفرصة تفوته.. عندما حانت له فرصة تلك العمارة الاستثمارية في مكةالمكرمة.. عمد مباشرة لدفع العربون الضخم بشيك حسب طلب البائع المستعجل.. حرر (س) الشيك وحسه التجاري يؤزه للرفض.. لكنه قاوم.. لم يرخِ الليل سدوله.. إلا وهو يجري اتصالاته.. التي قادته إلى أن مالك العمارة شخص آخر.. يختلف عمن حرر له الشيك..! لم تكد شمس الغد تشرق إلا.. وهو في البنك في صالة كبار العملاء.. يقوم بتحويل مبلغ من حسابه لآخر.. ليعجز ذلك النصّاب عن صرف الشيك.. لكن.. أيعفي هذا (س) من طائلة العقوبة..؟! صدر التنظيم الجديد للشيكات ليعيد للشيك هيبته التي فقدها طوال فترة التراخي العقابي إن صحت تسميته.. وليضع النقاط جلية واضحة في الحالات التي تستلزم الإيقاف والعقوبة.. أو الحالات التي تستلزم العقوبة دون الإيقاف.. حيث نص التنظيم الأخير على أن جريمة الساحب في سحب شيك ليس له وفاء قائم وقابل للسحب تتنوع إلى: - إذا سحب شيكاً لا يكون له مقابل وفاء قائم وقابل للسحب أو يكون له مقابل وفاء أقل من قيمة الشيك (جريمة كبيرة موجبة للإيقاف). - إذا استرد بعد إعطاء الشيك مقابل الوفاء أو بعضه بحيث أصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك (جريمة كبيرة موجبة للإيقاف). - إذا أمر المسحوب عليه –البنك– بعدم دفع قيمة الشيك (جريمة كبيرة موجبة للإيقاف). هنا يرد سؤال أورده الفقيه القانوني سرور العبدالوهاب (فيما لو أن شخصاً اتفق مع آخر نصاب على شراء قطعة أرض ثم حرر الساحب شيكاً للمستفيد النصاب ثم اتضح للساحب أن المستفيد النصاب لا يملك الأرض وليس له حق التصرف فيها ثم أمر البنك بعدم دفع قيمة الشيك.. فهل يعد الساحب -المشتري- مرتكباً لجريمة الشيك ويوجه له الاتهام بارتكاب جريمة شيك بأن أمر المسحوب عليه -البنك- بعدم الدفع؟ أم يعد فعله من أسباب الإباحة؟ المتتبع لنص المادة (105) –والحديث ما زال متصلاً للعبدالوهاب- من نظام الأوراق التجارية التي جاء بها: ".... ولا تقبل المعارضة من الساحب في وفاء الشيك قبل انقضاء ميعاد تقديمه إلا في حالة ضياع الشيك أو إفلاس حامله أو طرأ ما يخل بأهليته".. نجد أن أسباب الإباحة في نظام الأوراق التجارية مقتصرة على ضياع الشيك أو إفلاس حامله أو طرأ ما يخل بأهليته. فقد يقول قائل: إن أسباب الإباحة مقيدة بنص النظام في الحالات السابقة والنص الخاص يقيد العام، كما أن العبرة هي حماية الشيك ذاته؛ لأنه يجري مجرى النقود دون النظر إلى المستفيد أو الساحب الذي يستطيع أخذ حقه دون ارتكاب جريمة جنائية وهي جريمة الأمر بعدم الدفع.. هذا رأي وقد أخذت به بعض المحاكم في أحكامها الابتدائية دون النظر في جريمة النصب. الرأي الآخر هو: حكم قضائي حيث نقضت محكمة النقض المصرية –والتي يعمل قضاة الديوان في دوائره الجزائية بالكثير من اجتهادات فقهائها- حكماً أدان متهماً في جريمة سحب شيك مع الأمر بوقف صرف قيمته رغم أن المتهم دفع بأن الشيك تم تحريره وفاء لثمن أرض لا يملكها المستفيد وليس له حق التصرف فيها أيا كان ثمرة لنصب. باعتقادي أن الوضع يحتاج إلى تأمل وتفصيل لاحق.. ولا مانع لقضاتنا من الاسترشاد بحكم المادة 28 من قانون الجزاء الكويتي والتي نصت على أنه لا جريمة إذا ارتكب الفعل بنية حسنة استعمالا الحق يقرره القانون.. بحيث يكون استعمال الحق المقرر بالقانون أينما كان موضع هذا الحق من القوانين المعمول بها باعتباره كلاً متسقاً مترابط القواعد يعتبر سبباً من أسباب إباحة سحب الشيك بدون رصيد إذا ما ارتكب بنية سليمة.. أو لعذر شرعي. * قانوني