استمعتُ إلى حوار حول وجود فروع للجامعات الأجنبية في الدول العربية. هناك رأي يقول إن هذه الجامعات هي بمثابة الاستعمار الجديد الذي تدفع الدول العربية ثمنه وإنها ذات بعد سياسي وفيها خطر على اللغة العربية والثقافة العربية وليس هدفها الحقيقي تطوير التعليم. الرأي الآخر يرى أن هذه الجامعات توفر مجالاً للمنافسة العلمية ووجودها يؤدي إلى الارتقاء بمستوى الجامعات المحلية، وهي تقدم تعليماً متقدماً لمن يرغب في ذلك. الرأي المعترض يرى أيضاً أن وجود الجامعات سيكون على حساب الجامعات المحلية وأن تكلفتها على الطالب تعني إيجاد طبقية غير مرغوبة. الرأي المؤيد يرى أن التعليم في العالم العربي يتحرك ببطء وأنه بحاجة إلى دفعة، وأن فروع الجامعات الأجنبية هي استثمار عربي يدار بإدارات عربية فالجامعات ملك للدولة مع استخدامها لمناهج علمية أجنبية. كل رأي له ما يدعمه وله حيثياته ولكن حين ننظر في تجربة المملكة نجد أنها فتحت باب الابتعاث وفي نفس الوقت انشأت المزيد من الجامعات داخل المملكة، وبالتالي فإن جلب فروع الجامعات الأجنبية إلى داخل المملكة تضعف مبرراته الأكاديمية والاقتصادية. التطوير المنشود لمستوى التعليم يمكن أن يتحقق دون حضور الجامعات الأجنبية خاصة أننا في عصر مختلف في مجال تقنية الاتصالات وإدارة المعرفة. فضاء التطوير واسع أمام الجامعات لتنتقل إلى التغيير النوعي من خلال إنتاج البحوث ورفع مستوى المناهج وأساليب التدريس، وتفعيل دور الجامعة في المجتمع، وفي المشاركة الفعلية في مشاريع وبرامج التنمية و وإستراتيجيات التغيير والتطوير. الجامعات شريك رئيسي في تحديد الرؤى المستقبلية والإسهام المباشر في نقل تلك الرؤى إلى واقع. الدور البحثي للجامعات لايزال بحاجة إلى تفعيل، وقد بدأت بعض الجامعات تسير في هذا الاتجاه من خلال كراسي البحث بهدف تطوير البرامج البحثية والأكاديمية. المؤمل والمنتظر أن تأتي مخرجات تلك الكراسي متفقة مع أهدافها المعلنة والتوقعات العالية المصاحبة لإنشائها، والعبرة ستكون بالنتائج فيما بعد حين تخضع تلك الكراسي للتقييم. معظم الجامعات لديها مراكز أو عمادات للتطوير ولها رؤية ورسالة وأهداف مكتوبة بشكل جيد وتحمل أفكاراً يتفق عليها الجميع. تلك الرؤية والرسالة والأهداف حين تخضع لمعايير التقييم والموضوعية ستكون النتيجة متواضعة والدليل هو المنتجات البحثية التي تحتاج إلى إعادة نظر سواء من حيث الكم أو الكيف، فالمجتمع بحاجة إلى بحوث ترتقي بالتطبيقات والممارسات لا إلى بحوث لأغراض الترقية العلمية فقط. خلاصة القول إن تطوير التعليم العالي والتعليم بشكل عام لا يتوقف على حضور الجامعات الأجنبية بل يعتمد على وضوح الرؤية وتسخير الإمكانات لخدمة هذا الهدف، وليس من أجل تحسين المركز التنافسي بين الجامعات فهذا المركز سيأتي نتيجة تلقائية حين يتحقق التطوير الفعلي.