دأب البحارة على استخراج اللؤلؤ من بحار الخليج العربي منذ مئات السنين واشتهر أهالي الخليج بهذه المهنة المليئة بالأخطار والأهوال والمصائب وكم من غريق في هذا الخليج ومن هو فريسة للقرش ذهب ضحية لأجل لقمة العيش الحلال رحمهم الله تعالى ومن مشاهير أهالي الغوص ولهم باع طويل وعريق قبيلة العوزام التي جعلت الكويت قصراً لها بعد أن تركت صحراء الجزيرة العربية وتعاملت مع بحر الخليج العربي المكنوز باللؤلؤ، هذا اللؤلؤ الذي يستخرج من المحار القابع في أعماق الخليج تستنفر له السفن وتحشد فوقه البحارة أبطال البحر ومن هؤلاء المشهورين بتجارة اللؤلؤ بالخليج عموماً والكويت خصوصاً النوخذة محمد بن مدعج العازمي الذي التقط دانة وهي لؤلؤة ثمينة تقدر بمئات الآلاف من الروبيات يروي الأستاذ والباحث المحقق والمؤرخ طلال بن سعد الرضيمي هذه القصة عن ابن مدعج وهي أنه في عام 1346ه 1927م ساءت الأحوال الاقتصادية في الكويت بل في العالم ككل ونتج عن هذه الأحوال الضرر الكبير للنوخذة ابن مدعج رحمه الله فاضطر إلى رهن عقاراته بالكويت ونخله التي بالبصرة لأجل أن يسدد ديونه التي حلت ولم يكن عنده نقد فضلاً أنه أتى موسم الغوص ودخل مع بحارته الغوص بسفينة وعليها 27 بحارا غامر ابن مدعج بهذه السفرة وقد يكون وقد لا يكون إما الإفلاس والخراب والدمار والهلاك وإلا الفوز بعائد كبير من اللؤلؤ يغطي أجرة البحار مع الربح الوفير على ابن مدعج. كما عرف عنه أنه قوي الإرادة وفي نفس الوقت هو متوكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه وظل هاجس ابن مدعج النوخذة العصامي في أن يرزقه الله عز وجل بلؤلؤ وفير حتى يسدد ديونه وما عليه التزامات مالية ويقضي ابن مدعج هو وبحارته عدة أيام في البحر ويتوقفون عند أماكن الغوص واستخراج اللؤلؤ لكنهم لم يحصلوا على طائل سوى لؤلؤ لا يسد إلا نفقات سفينته وبحارتها ولم ييأس ابن مدعج وزاد ثقة بالله تعالى وتوكلاً عليه وعزماً وظل يحث السير للسفينة وقارب انتهاء موسم الغوص وأيدي البحارة عطل من اللؤلؤ ما عدا شيئاً زهيداً لا يذكر وتأتي كارثة لم تأت في حساب ابن مدعج وتدبيره ألا وهي وقوع انكسار في الجالبوت أي السفينة في إحدى جوانبها ودخلت المياه إليها وكادت أن تغرق سفينة ابن مدعج لولا عناية الله عز وجل ثم رسا بهم على إحدى الموانئ القريبة لغرقوا ثم أن ابن مدعج استدعى "القلاليف" صناع السفن لإصلاح السفينة وهؤلاء القلاليف لا يعلمون مجاناً فلابد من دفع أجرتهم جراء إصلاحهم السفينة واطعام هؤلاء البحارة والذين يحتاجون إلى زادهم اليومي وهذا يكلف ابن مدعج لكنه صبر ولم يتأوه بكلمة شكوى أو تذمر وكل أمره إلى الله عز وجل الذي لا يخيب من رجاه والله عند حسن ظن عبده وقد أحسن الظن ابن مدعج بربه وهو يواجه هذه المصائب الأولى عدم حصوله على لؤلؤ وفشل رحلته هذه والثانية عطب سفينته والثالثة الدائنون الذين في الكويت لكنه حسن الظن بالله دفعه إلى أن يحاول مرة اخرى لاستخراج اللؤلؤ مع بحارته فحينما انتهى من إصلاح سفينته أتجه إلى أحد الهيرات ولم يبق على انتهاء موسم الغوص إلا سبعة أيام وابن مدعج لم ييأس ووقفت السفينة ودش البحارة البحر ولم يجدوا سوى ثماني محارات وتأسفوا على هذه الحصيلة الزهيدة ولم يجرؤ على فتحها وتركوها وعندما خيم الليل سدوله خلدوا إلى النوم وفي أثناء نوم ابن مدعج إذ به يرى رؤيا بأن فتاة تزوره في السفينة فتنهضه من نومه فاستيقظ من نومه ثم عاود النوم مرة أخرى فأتته نفس الرؤيا مرة وثالثة فذكر الله عز وجل ووجد البحارة كلهم في غرقة النوم إلا أن شخصاً من البحارة كان مستيقظاً فطلب منه ابن مدعج بفك المحارات الثمانية فقام هذا الرجل بفك المحارات وفي أثناء عمله هذا إذ به يصيح بأعلى صوته يا نوخذة أبشر بالخير رزقك الله بدانة ثمينة من النوع الكبير فقام البحارة كلهم من النوم بسبب صراخ هذا البحار وكانت السفينة قريبة من البحرين فرست وتوجه ابن مدعج ليعرضها على البيع وباعها على الطواش صالح بن هندي بمبلغ ثمانين ألف روبية وهو مبلغ ضخم وأعطى ابن مدعج بحارته وخصوصاً الذي التقط المحارة وأعطى بقية البحارة أجرتهم ورجع ابن مدعج ومعه مبلغ جيد إلى الكويت وسدد جميع ديونه وفضل معه شيء من المال واشتهرت هذه القصة عند أهالي الكويت وهكذا تحولت الفتاة الجميلة في الرؤيا إلى لؤلؤة غالية الثمن جاء تعبيرها هكذا رآها ابن مدعج وعبرها بنفسه والقصة متواترة ذكرها الشيخ عبدالله النوري ت 1401ه رحمه الله في كتابه خالدون في تاريخ الكويت والكاتب مؤرخ الغوص الكويتي سيف الشملان في إحدى تسجيلاته ولقاءاته التلفزيونية وقد قام ابن مدعج بشكر هذه النعمة التي أنعم الله عليه بالتبرع والصدقة على الفقراء والمساكين واستمر في بناء المساجد وقد توفي رحمه الله سنة 1387ه الثامن من شوال وعمره مائة سنة طال عمره وحسن عمله.. (1) أعلام الغوص عند العوازم الطبعة الأولى والثانية بتصرف الاستاذ المؤرخ طلال الرميضي. (2) خالدون في تاريخ الكويت للشيخ عبدالله النوري