يبدو أن الفكرة المنطلقة من تقييم الناس بناءً على الطبقة التي ينتمون إليها في المجتمع، والتي تحدد بعض السمات الظاهرة لديهم، لم تعد هي مدار قضية «البرستيج» الذي أصبح الكثير من الأسر تسعى لتلميعه كل بحسب ثقافته التي ينطلق منها والخلفية الاجتماعية التي يأتي من خلالها، حيث لوحظ الكثير من المعتقدات والسلوكيات التي يقوم بفعلها الناس من منطلق التقليد والتسابق على البروز، والذي عادةً ما يطلق عليه المجتمع ب»البرستيج» وهو المصطلح الذي أصبح متداولاً بين الجميع وفي حالات متعددة، على الرغم من أنه مصطلح كان يدور حول العادات والتقاليد التي تتمسك بها أسرة دون غيرها، وقد كانت تخص أكثر الطبقات المخملية، حتى شاعت بين عامة الناس وأصبح الجميع في سباق دائم على تلميع «البرستيج». ففي الآونة الأخيرة ظهرت الكثير من السلوكيات الاجتماعية لدى الأسر والتي أصبحت تبحث عن «البرستيج» الاجتماعي المشرف كنوع من البروز بين طبقات المجتمع أكثر من كونه قيمة أخلاقية أو سلوكية، وهو ما جعله يدور حول المظاهر والبحث عن تلميع الخارج من الأمور، حتى وإن كلف ذلك خسائر مادية ومعنوية، فالمهم الحفاظ عن ما يسمى ب»بالبرستيج» وإن كانوا «طفارى». الأطفال قبل الكبار تقول "سهر الدوسري": إننا نلاحظ الكثير من الأخطاء السلوكية التي يخرج فيها عن مفهوم الذوق العام، وذلك من منطلق "البرستيج" وهو المصطلح الذي أصبح يتداوله الأطفال قبل الكبار، ففي عالم النساء أصبح متضخماً حتى أصبح يمس القيم الأخلاقية في التعامل، فهناك نساء حينما يدعون إلى حفلة كبيرة في فندق مشهور وفخم لأسرة ثرية، يتمنعن عن اصطحاب بعض شقيقاتهن، خاصةً حينما تكون بدينة أو لا تحمل المواصفات الشكلية التي تؤهلها لأن تقدمها في الحفلة كشقيقتها، كنوع من الحفاظ على البرستيج العام الذي بنته لنفسها لدى ذلك الوسط، بأنها فتاة أنيقة وجميلة وذوق وتنتمي لأسرة تحمل ذات المؤهلات، مضيفةً أن الحقيقة ربما كانت مغايرة لذلك، وربما وصل الأمر لدى البعض إلى حالة مرضية كتغير بعض الأمور الجوهرية في الإنسان، كتغيير اسم أسرته والمكان الذي يسكن فيه ووظيفة الأب والأم، فهناك نموذج لفتيات يدرسن في الجامعة يقمن بوضع "آل" إضافة إلى اسم الأسرة كنوع من البرستيج، وكذلك قد تدعي بأنها من سكان منطقة ما مشهورة بالأسر الثرية كنوع من البرستيج الذي تحب أن تظهر من خلاله، مشيرةً إلى أنه ربما مس ذلك المعتقد نوع الثياب وطريقة ارتدائها لدى البعض، حيث ترى بأنه كلما قصر ثوب المرأة كانت أكثر رقياً وتناسباً مع البرستيج العام، وكلما تحدثت عن "الماركات" والدول التي تحب أن تسافر إليها زادت قيمتها بين النساء، وقد تكون في الحقيقة لم تسافر في حياتها. د.العنزي:الفرد ليس مجبوراً على مقارنة نفسه بالآخرين..! مجاراة البعض وتتفق معها "سمراء الجهني" التي أصبحت ترى موضوع البرستيج متضخماً لدى بعض الأسر، حتى أنها أصبحت تدخل في تراكمات مادية كبيرة بسبب مجاراة البعض في مستواهم المعيشي، وهو ما أصبح ملاحظاً على المنازل التي يسكنها الناس، بل حتى الأسرة التي تعيش بإمكانيات بسيطة تحرص على تغيير أثاث المنزل واختيار الأصباغ له بما تناسب مع الموضة الجديدة، وربما دخل الأب في "جمعية" تخرج له في موسم الإجازات، فيسافر إلى البلاد التي اكتسبت شهرة حتى يقال عنه بأنه سافر إلى الخارج، فلا يكون أقل من غيره على الرغم من الديون الطائلة التي عجز عن تسديدها، وربما لا يستطيع أن يسدد بعض الأقساط التي عليه، مضيفةً أنه قد يتدخل البرستيج في نوع ومستوى الحفلات التي يقيمها البعض حتى إن كانت الأسرة ثرية، فتحاول دائماً الاستعداد للحفلة بإحضار الأشياء للقاعة من لندن أو ماليزيا أو أوروبا حتى يقال بأن العائلة الفلانية تميزت بحفلتها التي جهزت لها من دولة أوروبية، فينعكس ذلك على "برستيجها" الاجتماعي، وهو ما يحدث في اختيار العروسين للمدينة التي سيقضيان فيها شهر العسل، حتى أصبح موضوع البرستيج يحدد نوع المحلات التي تتسوق منها الأسرة والثياب التي تشتريها والمطاعم التي تدخلها والتي لابد أن تتناسب مع المستوى الاجتماعي الذي ينطلق من مفهوم البرستيج. خلفية نفسية موثقة ويرى "د.فلاح العنزي" الأستاذ المشارك في علم النفس وأخصائي العلاج الذهني السلوكي، أن معنى "البرستيج" الاجتماعي يأتي من خلفية نفسية موثقة كحالة موجودة لدى الفرد منذ سن الطفولة، وهي تأتي في الواقع من أصل المقارنة، فالطفل منذ الصغر يبدأ يقارن نفسه دائماً بالآخرين سواء كان هؤلاء الآخرون أطفالا في البيت أو في خارج محيط البيت، فهي حالة تتطور بنوع أوجه المقارنة التي يراها الطفل إن كان في المظهر الخارجي أو في التحصيل الدراسي أو بالشكل، فالمقارنة الاجتماعية موجودة وضرورية للإنجاز والنمو، منوهاً إلى مواضع المشكلة في ذلك والتي تكمن في نوع أوجه المقارنة كمراهق يركز في المقارنة بينه وبين الآخرين على أمور تتعلق بالإنجاز في الدراسة أو في السلوك مع الأسرة، مضيفاً أنه يأتي نموذج آخر لمراهق يقارن نفسه مع أشخاص آخرين في أمور غير إيجابية كأن يتخذ المراهق أسلوب "التفحيط" أو القوة أو العصيان، وهو سلوك يعتقد بأنه يتميز به ويسابق غيره من الأفراد، وتلك سلوكيات غير صحية تظهر في المجتمع بسبب المقارنة غير الجيدة، وتنتج عنها عدة معتقدات وسلوكيات والبرستيج إحداها، موضحاً أن المعنى الذي يدور حوله البرستيج هو فكرة الآخرين ونظرتهم لموقعه ومكانته وانطباعهم عنه وعن وضعه الاجتماعي، لافتاً إلى أن تقييمنا للسلوك دائماً يأتي من مدى ضرره أو نفعه على الشخص، فإذا تسبب ذلك المعنى للبرستيج بالضرر سواء كان ماديا أو معنويا على الشخص، فهي ظاهرة غير صحية أما إذا لم يكن به ضرر ويخالف معايير دينية معينة فليس منه مشكلة، فمثلاً يعمد البعض لإقامة حفلة كبيرة في فندق فخم وشهير ويتحمل ديوانا طائلة عليه لمجرد الظهور والبروز، وذلك ضرر يتحمله الفرد فقط، مفصلاً في بعض السلوكيات التي يقوم بفعلها البعض كنوع من البرستيج في المجتمع كمشاركة المرأة في المسابقات التلفزيونية بهدف الفوز والظهور، وكذلك التكاليف الكبيرة والباهظة التي تصرفها على خياطة ثوب واحد لمناسبة فرح قد تكلفها الآلاف كنوع من المحافظة على المظهر العام والبرستيج والظهور والتفوق على الأخريات في الحفل. أمل: «الإتكيت» هو المطلوب لتطوير السلوك والذوق العام مجتمع استهلاكي وأوضح "د.العنزي" أن موضوع البرستيج يبرز لدى مجتمعاتنا العربية في ظاهرة نوع السيارة التي يركبها الشاب وماركتها وشكلها، فأصبح هناك تسابق غريب على اقتناء السيارة الفارهة، بينما ذلك غير موجود في المجتمعات الأخرى، فنجد أن شخصا في وظيفة مرموقة يقود سيارة عادية جداً، فليس لديه ذلك الهوس بالبروز والاهتمام بالمظهر الخارجي في المجتمع، مشدداً على الدور الكبير الذي يلعبه المحيط الاجتماعي في تشكيل ثقافة البرستيج لدى الناس، فالمجتمع أصبح مجتمعا استهلاكيا من الدرجة الأولى، فعلى سبيل المثال أصبحت الأسر تتعامل مع شهر رمضان في موضوع الشراء وبعض المظاهر كالاحتفال الكبير، حتى أن هناك بعض الدراسات تؤكد بأن مثل هذه المناسبات تزداد لدى الأسر بعض حالات الاكتئاب، وبعض حالات الانتحار، والسبب أن الفرد مجبور على أن يقارن نفسه بالآخرين من حيث الشراء، فهناك الكثير من الأسر لا تستطيع أن تصرف كما بعض الأسر، فتلك ثقافة استهلاكية حتى أصبحت الرسائل التي يتلقاها الآخرون رسائل في التشجيع على الاستهلاك، مشيراً إلى أن هناك ملاحظات تشير إلى أن موضوع البرستيج الاجتماعي ينتشر كثيراً في المجتمعات الخليجية أكثر من المجتمعات الأجنبية أو بعض العربية منها، فالفرد في المجتمع الخليجي لديه جانب عام كاللبس و"الكلام المفخم" وغيره، وجانب خاص متعلق بالأفكار والطموح والشخصية، فلدى الفرد اهتمام بالغ في الجزء الظاهر من شخصيته للآخرين أكثر من أشياء أخرى أهم كالإنجاز الفكري أو العملي. طريقة السلام وتوضح "أمل الكناني" المدربة المعتمدة الحرة ومستشارة التدريب في مركز العرب الثقافي وأكاديمية التدريب، أن كلمة البرستيج الاجتماعي تعني "المكانة الاجتماعية" وهي تشيع في مجتمعنا كمصطلح يطلق على الوضع المادي أكثر من كونه أمرا يخص التعلم أو المكانة الوظيفية التي قد يمتلكها الشخص، وهي حالة يعيشها الإنسان حينما يبني بداخله بعض المعتقدات تنعكس على سلوكه ويتصور أنه إذا لم يفعلها في محيطه الاجتماعي فإن برستيجه الاجتماعي قد يتضرر، كالتكلف في استخدام بعض العبارات أو المبالغة في بروز بعض الأحداث التي تحدث في حياته، مشيرةً إلى أن هناك فرقا بين معنى "الإتكيت" والبرستيج، ف"الإتكيت" هو مجموعة من السلوكيات التي تلامس المظهر الخارجي للفرد، في حين ارتبط البرستيج بالناحية المادية في مجتمعاتنا العربية، فهناك بعض المظاهر السلوكية التي ترافق من يحاول أن يتشبث بموضوع البرستيج كطريقة السلام التي تختلف فيها عن طرق السلام العادية، فالكثير من النساء يستخدمن طريقة في المصافحة فيما بينهن يطلق عليها "سلام السمكة" وهي الحالة التي تقوم السيدة فيها بحني يديها إلى الأمام أثناء المصافحة دون أن تقبض على يد الشخص الآخر بشكل كامل ثم تقوم بسحبها، وذلك اعتقاداً من البعض بأنها نوع من البرستيج الاجتماعي، بينما الحقيقة أن ذلك النوع من السلوك هو في الواقع "فظاظة" غير مقبولة وسلوك يحمل ترفعا على الآخرين، بينما من الممكن أن تكون السيدة قصدت لفت الأنظار إلى مظهرها الخارجي ونوع الساعة الباهظة الثمن التي ترتديها أو الخاتم الفخم، مبينةً أن هناك طريقة أخرى مثل حمل الحقائب لدى السيدات حيث تحمل الحقيبة "الماركة" بطريقة فيها الكثير من الزهو، وهو ما يظهر حين تمد يديها إلى كتفها لتتدلى الحقيبة من الخلف وتقوم بهزها وهي تمشي لتلفت النظر لنوع الماركة التي تحملها الحقيبة، وربما يحدث ذلك حتى في مناسبات "العزاء" دون خجل فتلك تصرفات نسائية سطحية يعتقدن من خلالها أنها نوع من البرستيج لكنه مفهوم عام خاطئ وإن تواردت بكثرة في المجتمع. حب البساطة وأكدت "أمل الكناني" أن تلك السلوكيات التي يعتقد الكثير من الناس بأن البرستيج يعطي الكثير من الوجاهة، فانها في الحقيقة هالة غير مقبولة خاصة في بعض المناطق التي جبل الناس فيها على حب البساطة وعدم التكلف، في حين يأتي "الإتكيت" ليعلم الناس طرق التهذب في استخدام الألفاظ والتعبير مع الآخرين دون المساس بهم، وهذا ما أوضحه "أحمد الشقيري" في كتابه الذي تحدث فيه عن الإتكيت، موضحةً أن الدورات التي قدمتها عن الإتكيت، كان فيها إقبال معقول وجيد من قبل النساء حيث تناولت الدورة كل ما يتعلق بذلك العالم حتى تحليل الألوان وعلاقتها بالذوق العام.