قلتُ لك ذات يوم يا صاحبي (كلّم نفسك واضحك للمراية) ، فهاجت هذه الصفحة وماجت بردود القراء .! منهم من وافقني ، إمّا من باب حسن الظن بقواي العقلية ، وإمّا من سايرني تجملًا ، وعلى حسب الريح ما تودّي ، ( يأخذونني على قد عقلي) ، إلى أن يحدث الله بعد ذلك أمرا .. ومنهم من تخيلته وقد نفث عن يمينه وعن شماله ، وحمد الله الذي عافاه مما ابتلى به كثيرًا من خلقه .! إن هؤلاء وأولئك ، أصدقائي الذين كوّنْتهم في هذه الصحيفة . من حق كلّ منّا أن يقول ما بدا له أنه الحق وما عنّ له وجادت به قريحته .! ولو تطوع بعض شبابنا العاطل عن العمل في عمل استبيان عن الذين يكلمون أنفسهم في هذا الزمان لوجدوهم على أشكال وألوان .. يحسبهم الجاهل بما يجول في رؤوسهم (مجانين) .. وهم في واقع الأمر لم يجدوا حولهم من يسمعهم فانخرطوا في مونولوج إن بدا صامتًا فهو في مستوى الجهر .! حينما بدأ استخدام سمّاعات الهاتف النقال الخفية بدا لمن لا يعرفها العجب . هذا يمشي ويكلّم من لا نراه .. وذاك يحرّك يديه في الهواء ويضحك .. وثالث يوشوش نفسه ويبتسم ، زائغ العينين ، والناس بين متهكم ومتحسر على عقول تحوّلت إلى مهلبية .! أما من رأوه يهمس ويشهق ويبكي فيقولون عنه مشفقين قولة (غوار الطوشة) في حمام الهنا : " يضرب الحب شو بيذل " .! فضفِضوا .. ولا تخافوا من (الجنون) .. لو كان في الصمت (حكمة) .. لما خفيت على أكثر الناس يا صاحبي .! * * * قد أعيد من (الكلام) عبارة ، إن بدا لي أن في الإعادة إفادة .. وليس فيها ما يضجر أو يبعث على الملالة .. عندما نتمرد على سطوة الأسْر ، نرتفع بذاتنا .. فنعلو .. فتشف مادتنا حتى تغدو مثل ( كريستالة ) صافية نقية .. تنبعث منها كل ألوان الطيف .! * * * نعتب على من نحبهم فنرتدي سترة (المدعي العام) .. وحينما تبدأ (المحاكمة) نصبح أول من يدافع عنهم .! * * * في الصيف نتوقف عن (الرعص) .. نموت حَرًا .. (تتكرمش) وجوهنا فتتحوّل إلى منحوتة صلبة ، وعيوننا إلى أصداف بلا بريق ، وفي الصيف تضمر كل أشيائنا الكبيرة .. تتحول الزبدية إلى (كشتبان ) والزير إلى (مرطبان)!!