تتعدد الاقتراحات التنظيمية التي يطرحها المهتمون بالقضايا الإدارية والاجتماعية وهي تنطلق في الغالب من أزمة معينة يرى من يناقشها أنها تستحق أن ينشأ لها جهاز خاص. هناك من اقترح مثلاً إنشاء هيئة عليا لمكافحة البطالة، وآخر اقترح لجنة عليا لتوظيف الخريجين المبتعثين وثالث يقترح وزارة للرقابة والمحاسبة. من المهم أن نذكّر بوجود أجهزة أوكلت لها مسؤوليات التوظيف وأجهزة أخرى مسؤولة عن الرقابة والمحاسبة ، وحين نقترح انشاء أجهزة جديدة فهذا يعني إحالة تلك الأجهزة القائمة إلى التقاعد. الأمر الآخر أن تقصير أجهزة معينة في القيام بمسؤولياتها لا يفترض أن يؤدي إلى إنشاء أجهزة جديدة وإنما الى تقييم أداء الأجهزة المسؤولة وتشخيص مشكلات ومعوقات الإنجاز وطرح الحلول العملية لها. قضية توطين الوظائف على سبيل المثال لاتتعثر بسبب عدم وجود أجهزة مسؤولة عن هذه القضية، ولكن بسبب تشعب الأسباب وارتباطها بعدد من الأجهزة، وما تحتاجه القضية هو تفعيل التنسيق بين تلك الأجهزة ذات العلاقة. الأجهزة المقترحة قد توجد فرصاً جديدة للتوظيف ولكنها ستكون اجهزة بيروقراطية تزيد من تضخم الجهاز الوظيفي ولن تؤدي بالضرورة إلى حل الإشكاليات التي أنشئت من أجلها. وقد يحصل العكس اذ إن تعدد الأجهزة ذات العلاقة قد يؤدي إلى ضياع المسؤولية. إن تقييم الأداء هو البديل الذي نقترح الأخذ به من أجل تطوير الأجهزة ومساعدتها على تحقيق اهدافها والتغلب على ما يواجهها من عقبات. هذا يعني أننا قبل طرح فكرة إنشاء أجهزة جديدة لابد أن نقوم بعملية تشخيص حتى نتمكن من تحديد العلة ثم نبحث عن العلاج المناسب. وما يحصل الآن هو أننا نقفز مرحلة التشخيص فكلما ظهرت لنا مشكلة اقترحنا إنشاء جهاز جديد أو هيئة أو وزارة .... إلخ. إن وجود أجهزة جديدة يتطلب حيثيات تنظيمية واضحة مع الأخذ في الاعتبار أن لا يؤدي ذلك إلى الازدواجية، أو مزيد من البيروقراطية. وفي بحث بعنوان ( تطوير وتنمية الجهاز الإداري والحكومي في عهد خادم الحرمين الشريفين ) من إعداد د. إبراهيم الملحم، أقتبس أفكاراً استراتيجية لإبعاد شبح البيروقراطية والروتين عن الأجهزة الحكومية أوردها الباحث في بحثه ومن شأنها تحسين كفاءة الأداء وتتمثل في: *توضيح أهداف وأغراض الجهاز الحكومي الأساسية (رسالة المنظمة). *إيجاد حوافز لتحسين أداء الموظفين مبنية على النتائج. *الحصول على تغذية مرتدة عن خدمات الجهاز من المستفيدين والمتعاملين معه (الزبائن). *تمكين المواطنين ليكون لهم دور أكبر وملموس في تيسير أمور الأجهزة الحكومية وتقييمها وقياس أدائها مما يحسن من الرقابة على أداء الجهاز الإداري الحكومي. *استبدال قيم وعادات العمل القديمة بقيم وعادات جديدة. إذا فشلت هذه الأفكار في تحقيق الفاعلية الإدارية المطلوبة يكون من المناسب التوجه نحو التفكير بإعادة التنظيم لمواكبة المتغيرات التي لم تكن موجودة عند إنشاء أجهزة معينة. في هذه الحالة يصبح التجديد التنظيمي ، إن صح التعبير ، مرحلة من مراحل تطور الجهاز الإداري الحكومي الذي يمر بعملية تحديث وتطوير مستمرة بهدف الوصول إلى هيكلة إدارية مناسبة تتسم بالمرونة للتكيف مع المتغيرات والمتطلبات المتجددة وفي هذا الإطار نشأت أجهزة جديدة مثل الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة، أما المطالبة بإنشاء أجهزة جديدة بمبرر تقصير الأجهزة القائمة فهي مطالبة تحتاج إلى حيثيات أكثر من ذلك.