رغم ارتفاع دخل الفرد السعودي قياساً بدخل المجتمعات الأخرى، إلا أنه لا يحسن ضبط ميزانيته الشهرية، ولا تدبيرها وفق أولوياته واحتياجاته الضرورية، خاصة في ظل الطفرة الاقتصادية. والأسرة في مجتمعنا لا تزال تفتقد إلى التنظيم والتخطيط في كيفية إدارة مواردها المالية، فهناك أعداد كبيرة من ذوي الدخل المتوسط والمرتفع تعاني آخر الشهر من خلل وعجز في الميزانية، مما يضعها في حالة استنفار باحثة عن منقذ. "الرياض" تطرقت للبحث عن أسباب هذه المشكلة داخل الأسر، ومن المسؤول عنها، وكيف للزوجين أن يقوما بتنظيم ميزانية الأسرة على المدى القريب والبعيد. ترتيب الأولويات بداية تقول المعلمة "تغريد السالم" إن التخطيط المناسب لميزانية الأسرة، وتنظيمها حسب الأهمية والأولوية من شأنه أن يساهم في عملية الادخار والتوفير، مشيرة إلى بعض القواعد والأساسيات الهامة التي تطبقها مع زوجها لتنظيم ميزانية الأسرة، ومنها وضع ميزانية محددة للإيرادات، والمصروفات، والتوفير، إلى جانب كتابة الأشياء التي نرغب شراءها قبل النزول إلى السوق، مع ترتيب أولوياتها، لأن الذي ينزل إلى السوق بلا "نوتة" كلما وقعت عينه على شيءٍ جميل يشتريه دون وعي، وينسى الغرض الأساسي الذي نزل من أجله، وأيضاً اختيار الوقت المناسب للتسوق، باستغلال أوقات التخفيضات، ولا نشتري ما هو فوق الحاجة، ولو كان زهيد الثمن، مؤكدة على أهمية أن تكون هناك مرونة في ميزانية الأسرة، وذلك تحسباً لأي ظرف طارئ. أم زياد: زوجي مبذر و «قليل دبرة» الصدقة الشهرية وتضيف "سهى عودة" أنه بالرغم من دخل زوجي المرتفع والذي يقارب 14 ألف ريال، إلا أننا ننتظر يوم الراتب بفارغ الصبر فنصف الراتب يتبخر من أول يوم، مابين أقساط، وفواتير وديون، ولعل المناسبات الاجتماعية والمجاملات تأخذ حيزاً كبيراً من ميزانية الأسرة، حتى أنني دائماً ما أردد على مسامع زوجي بأن راتبنا "ممحوق البركة"، وأنا الآن أسعى جاهدة لإقناع زوجي بإخراج صدقة شهرية ندفعها أول يوم من استلام الراتب. المجازفة بالمال ويقول "خالد حمود" موظف بأحد القطاعات الخاصة: إنه قلما ما تجد شخصاً لا يشكو من العوز والحاجة آخر الشهر، وذلك كله بسبب انعدام التخطيط المثالي للميزانية، والتصرف بعشوائية في الأصول الثابتة للفرد فلا يستطيع أحد أن ينسى حمى الأسهم وما خلفته من آثار سلبية على الأفراد والأسر، خاصة لمن جازف ببيع أصوله الثابتة كالمنزل، والأرض، والمحلات دون تخطيط مسبق لتبعات مثل تلك المجازفة. زوجي مبذر وتحكي "أم زياد" معاناتها مع زوجها المبذر، قائلة: زوجي رجل مبذر للغاية، ولا يحسن تدبير مصروف بيتنا، فهو لا يبالي بالمال أبداً متمشيا مع مبدأ "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" فعندما يذهب للسوبر ماركت يشتري الضروري والغير ضروري حتى إنه كثيراً ما تتلف الأغراض لعدم استخدامنا لها، مضيفة: دائما ما يشتري لأبنائه ألعاب باهظة الثمن حتى وإن لم تتناسب مع أعمارهم، ولكن هو من هواة التبذير، وألاحظ أن أبنائي الصغار أصبحوا يقتدون بتصرفات والدهم فالمائة ريال كالريال معهم، بالرغم أن دخله ما يقارب 9000، إلا أنه لا يأتي آخر الشهر إلا وتجده يقترض حتى يؤمن مصاريف أولاده اليومية، ورغم ما يتعرض له من ضغوطات مؤلمة، إلا أن زوجي مازال مصراً على مبدئه، لذا فحالي معه في شجار مستمر، فوضعه لا يناسبني أبداً. سهى: راتبه «ممحوق البركة».. تجربة ناجحة وتطرق "فهد" إلى رأي مغاير في ذلك، وأنه يعتقد لو أن المرأة أوكلت بإدارة ميزانية المنزل سيتغير حالها للأفضل، فالزوجة تملك أسلوباً في إدارة الميزانية أكثر عقلانية، وحكمة من زوجها، مضيفاً أن الزوجة أحرص من الزوج في التنظيم والتدقيق في كافة جوانب النفقات الأسرية، وهن أكثر حرصاً من الرجل في عدم تراكم الديون عكس الزوج، والذي يؤخر الدفع إلى آخر الشهر، وهذا عكس الاعتقاد السائد بأن النساء أكثر تبذيراً وأكثر إهداراً للمال وللميزانية، وهذا عن تجربة خاصة لي فعند آخر الشهر أضع راتبي كاملاً بيد زوجتي ولها حرية التصرف، ولا نشتكي ولله الحمد من أي ضغوط مادية مع توفير مبلغ لصرفه بالإجازة الصيفية. الثراء وتعلق الأخصائية الاجتماعية "غادة الشامان" فتقول سئل أحد الأغنياء: كيف جمعت هذه الثروة الضخمة؟، فأجاب:بقلة المصاريف وحسن تدبيرها، فبحسن إدارة وتخطيط وحكمة هذا الرجل وصل لميزانية منظمة أوفت بجميع متطلباته، ووصلت به إلى الغنى، فنحن نحتاج إلى تثقيف العامة من خلال إقامة الدورات المتنوعة عن أهمية التخطيط، والتنظيم، وكيفية التقنين للحصول على ميزانية شهرية متوازنة، مشيرة إلى أن من أهم أسباب هذه المشكلة عدم اتفاق الزوجين على تخصيص ميزانية محددة ومكتوبة لمستلزماتهم الشهرية من مأكل، ومشرب، وملبس، وتعليم، وأدوية، ووسائل اتصال مع وضع مبلغ ثابت، ومستقل لادخاره للأمور الطارئة، ويجب أن يكتب الزوجان أو أحدهما "المكلف بإدارة الميزانية" جميع الإيرادات والمصروفات والتوفير وبعد فترة من تدوين نظامهما المحاسبي يمكن للزوجين تخطي أخطاءهما من التجارب السابقة، وتضيف: لابد وأن يشرح الزوجان لأبنائها عن ميزانية المنزل وكتابة الحسابات أمامهم حتى يتعلموا كيف يقدران المصاريف، فليس كل ما يشتهيه يشتريه إلا في حال سمحت الميزانية بذلك. التسوق العائلي يحتاج إلى تقنين وحسن اختيار للمعروضات