هناك ألغاز ومفارقات وجوانب خلل هيكلية عديدة يعاني منها سوق العمل في المملكة، ومنها على سبيل المثال أن هناك شركات معينة فيها مئات الموظفين -وقد تكون حصلت على قروض ميسرة من صناديق الإقراض الحكومية بمئات الملايين- ومع ذلك تكون نسبة السعودة فيها صفر%، وأقسى عقوبة تتخذ بحقها –إن عوقبت- هي وقف الاستقدام عنها "فقط"، بينما تعد مثل هذه المخالفة الصارخة لأنظمة العمل في الدول المتقدمة جريمة كبرى عقوبتها السجن. ** من المفارقات العجيبة أن المملكة هي في قائمة أقل الدول في العالم من حيث استخدام العمالة الوطنية، ومن حيث ارتفاع أعداد ونسب العاملين الأجانب المقيمين في البلد، ومع ذلك تطرح "السعودة" دائما على قمة المعوقات التي يعاني منها القطاع الخاص في المملكة، التي تتلذذ بعض وسائل الإعلام بإبرازها، حتى أصبح هناك عاطلون عن العمل يتعاطفون مع رجال الأعمال، وما يواجهونه من معوقات (بسبب إلزام الدولة لرجال الأعمال كي يوظفوا العاطلين)!! وهذه بالمناسبة أغرب مفارقة، وأرجو إعادة التفكير فيها، وبخاصة إن كنت عزيزي القارئ عاطلا عن العمل، أو تعمل براتب يقل عن الواحد في المليون من أرباح المؤسسة التي تعمل بها!. ** .. وتستمر المفارقات في سوق العمل في البلاد، وقد أثير الأسبوع الماضي موضوع البطالة النسائية بعد تصريح مهم للدكتور عبدالواحد الحميد نائب وزير العمل يشير إلى أن نسبة النساء العاطلات عن العمل في المملكة هي في حدود 28%، وأوضح أن هذه النسبة هي كارثية. وهنا مفارقة جديدة، إذ أن الخبر قد يوحي للوهلة الأولى بأن سوق العمل النسائي في المملكة بألف خير وعلى عكس الواقع تماما، وهناك من قد يعتقد أن المقصود هو أن ثلاثة أرباع السعوديات يجدن عملا، والعاطلات يمثلن الربع فقط، وهذا إنجاز عظيم وليس كارثة، وهذا الإيحاء قد يصل لمن لا يعرفون أن هناك معايير معينة لاحتساب نسبة البطالة أهمها معيار البحث عن عمل خلال مدة معينة، وهي وفقا لما أوضحته وزارة العمل في المملكة أربعة أسابيع. وأنا لست ضد استخدام هذه المعايير ما دامت هي المستخدمة لدى منظمة العمل الدولية، ولكني أحببت توضيح السبب في أن هذه الإحصائية تعطي إيحاء مغلوطا ومعكوسا تماما حول البطالة النسائية والسبب هو أن المواطنة أو الخريجة التي لا ترغب في العمل، أو التي تعرف أنه ليس هناك عمل متوفر يناسب تخصصها، أو التي لم تبحث عن عمل خلال آخر أربعة أسابيع لأي سبب، كلهن من الأساس لم يتم حسابهن كعاطلات عن العمل. بينما يقول الواقع المر أن أكثر من نصف الخريجات لا يجدن وظيفة، وأصبح معظم من يجدن وظيفة يجدونها في أماكن بعيدة وهناك عدة مخاطر في التوجه لها، أو يجدن وظائف في مدارس أهلية برواتب متدنية من غير العدل أن تستمر، وما كان يمكن أن تستمر لولا الخلل الذي أشرنا له في سوق العمل في البلاد. .. وهكذا تستمر المفارقات والألغاز في مجال تنظيم سوق العمل بشكل عام وفي مجال البطالة النسائية، وقد عجزنا عن تطبيق قرار بسيط هو توظيف النساء في محلات بيع الملابس النسائية !! ومن المؤكد أن وزارة العمل ليست مسئولة وحدها عن هذه المفارقات والسلبيات، ولكن أرجو ألا يكون الإشكال الاجتماعي في الأمور المتعلقة بالمرأة شماعة تعلق عليها الجهات الرسمية أسباب إخفاقها في تنظيم تلك الأمور لتتخلى عن مسئولياتها.