لماذا أصبح شعور "الفساد" شعوراً وإحساساً حاضراً بقوة في تفكيرنا عندما تحدث مشكلة أو يقع خلل أو يبرز قصور في أحد جوانب أوجه الخدمات العامة خاصة خلال الظروف الطارئة سواء أكانت ظروفا طبيعية أم غير طبيعية كما حدث مثلاً في مشكلة السيول والأمطار وغيرها من الحوادث التي كتب الله حدوثها في بعض المواقع خلال الأشهر أو السنوات الماضية ؟؟ لماذا شعور الفساد والمحسوبية والرشوة شعوراً وشعاراً يتكرر دوما طرحه ويتكرر تداوله ويفرض حضوره على ألسنة الناس ، وتتكرر كتابته بصيغ مباشرة وغير مباشرة في معظم وسائل الإعلام عند وقوع مثل هذه الأحداث؟؟ لماذا لا تبرز في ظل هذه الأحداث والظروف مبررات ومسببات وعوامل أخرى لأوجه ذلك القصور أو ذلك الحدث أو تلك الأخطاء التي أفرزت تلك المشكلات والخسائر البشرية أو المادية !؟ لماذا نحن أمام هذه الأزمات نظل نعيش دوما على هاجس العتب واللوم والشك والطعن في نوايا وفي ذمم الآخرين وبدرجة شبه مطلقة وشاملة دون توفر أي أدلة ثابتة أو براهين قاطعة ؟! وكل ما هو أمامنا مجرد شعور وأقوال وشكوك نتسابق دوماً في إطلاقها وتناقلها سريعاً بكل الوسائل خاصة خلال ساعات تلك الأحداث وهي ساعات خصبة جداً لزرع ونشر وتداول مثل هذه الإشاعات والأقاويل !! لماذا أصبح الفساد وأصبحت المحسوبية والرشوة والسرقات ، لماذا أصبحت هذه السلوكيات مبررات وحيدة لذلك الخلل ولتلك الأحداث ولذلك القصور الذي أفرز تلك المشكلات ؟! لماذا لا نفتش او نفكر او نبحث عن مبررات أخرى قد تكون مسؤولة أو على الأقل مشاركة في أسباب تلك الحوادث وذلك الخلل ؟! لماذا مثلاً لا تكون الأنظمة .. أو قلة الخبرة .. أو غياب الرقابة .. او ضعف الإشراف الإداري والمحاسبة .. او طبيعة الإجراءات الروتينية (البيروقراطية الإدارية والمالية) ، لماذا لا تكون هذه عوامل مشاركة في تحمل مسؤولية تلك الأخطاء وفي مسبباتها ؟! حقيقة نحتاج إلى مراجعة ذاتية اجتماعية .. نحتاج إلى تفكير هادئ .. نحتاج إلى تروّ كبير .. نحتاج إلى شجاعة .. نحتاج إلى تكاتف اجتماعي مختلف في مقابلة لتلك المصائب والكوارث والأخطاء التي حدثت بدون تحديد .. نحتاج إلى تركيز شديد .. نحتاج إلى اجتماع أسري وطني لمراجعة أوجه الخلل .. نبحث عن الأسباب بعيداً عن العاطفة .. نبحث عن العلاج نفتش عن الحلول بعيداً عن ترديد كلمات الفساد والسرقة والرشوة وغيرها من الكلمات والعبارات التي تزيدنا حسرة وألماً مع كل حدث ؛ فالتمادي في ترديد مثل هذه الكلمات أثناء كل أزمة ومشكلة سيؤدي ذلك إلى فرض حالة دائمة من التبلد والخمول والإحباط .. عندها سيصبح ذلك الشعور لا قدر الله شعوراً طبيعياً مع أي حدث قادم.. الفساد .. كلمة كبيرة جدا وقاسية جدا ومؤلمة جدا .. لذلك فالمطلب الأهم هنا هو أن علينا ألا نظلم الناشئة من أبنائنا ونقسو عليهم وهم أجيال الوطن القادمة من خلال إسماعهم المتكرر لمثل هذه الكلمة المؤلمة للكبار قبل الصغار ، فنحن بذلك نظلمهم ونغذيهم شعورا سلبيا - دون أن ندرك خطر ذلك – فينمو هذا الشعور السلبي بنمو عقولهم وأجسادهم مما قد يؤثر ذلك في تفكيرهم وآرائهم المستقبلية وقد (تكسر) هذه الأفكار من طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم وهم عماد المستقبل! كل الشعوب وكل الأمم وكل مدن العالم تواجه أحداثا وتعاني من أزمات مختلفة وتواجه كوارث متعددة لكنها تظل قوية بتماسكها وتكاتفها ووحدتها مهما كانت حدة هذه الظروف وهذه الأزمات وقسوتها ، وليس هناك شعب أو مجتمع مثالي كامل الفضيلة .. نحن في هذا الوطن الغالي نملك ولله الحمد أفضل وأقوى مقومات الوحدة والتكاتف في مواجهة مثل هذه الأزمات وهذه الظروف وسبل الإصلاح .. هذه المقومات هي شريعتنا الإسلامية التي فيها النهج السليم الذي يدلنا وينيرنا على الطرق السليمة لمواجهة مثل هذه الظروف بعيداً عن مبررات وإشاعات وأقاويل لا تحل المشكلة بقدر ما تزيد الأمور تعقيداً وتنشر تلك الأقاويل والإشاعات التي من الصعب على كل من ينشرها أو يرددها أو ينقلها من الصعب عليه إطلاقاً أن يثبت صحتها بالقدر الذي حمله على قولها ! المشكلة .. الحدث .. القضية .. الأزمة .. الكارثة .. سموها ما شئتم فهي بالفعل تستحق ذلك .. لكن أمامها نحتاج قبل كل شيء إلى الصراحة ، والمصداقية بعيداً عن العاطفة سواء في النقد أو اللوم أو المدح أو التبرير ..وبعيدا عن الهروب او التسابق في ممارسة إسقاطات المسؤولية !! فنحن في مثل هذه الظروف أكثر ما نحتاج إليه هو الرأي الجماعي العلمي الحكيم المبني على أسس علمية حقيقية بعيداً عن " الصراخ " والتأويل والقذف والنقد الجارح الذي لامس بعضه الجوانب الشخصية والأسرية والنوايا التي لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى.. نحتاج إلى آراء هادفة جماعية متخصصة ومحايدة تحلل المشكلة وتقدم المسببات والحلول بما يكفل تدارك المشكلة مستقبلاً إن شاء الله في ظل حس وطني صادق يغلّب المصلحة الوطنية العامة على المصالح الشخصية مهما كان نوع هذه المصالح الخاصة سواء أكانت هذه المصالح الخاصة مادية أم أسرية أم اجتماعية أم رسمية أم وظيفية أم قبلية .. ذلك من أجل أجيال الوطن القادمة. ونحن لا نبحث عن عقوبات .. ولا نطلب انتقاماً وتشفياً .. بل نحتاج أكثر إلى آراء بناءة هادفة صادقة مخلصة تكفل لنا تدارك كل ما حدث .. والبيت السعودي ، بولاة أمره وبأهله وبأبنائه ولله الحمد ، قادرٌ على أن يقدم على طاولة البحث والعلاج كفاءات وطنية مخلصة صادقة شجاعة تملك وتقدم الحلول والاستشارات والآراء المثلى التي ننشدها في حل كل المشاكل وفي تدارك آثأر كل الأزمات ...