سألني أحد الإخوة هل يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن من صدرهما أو من المصحف؟ فذكرت له أن الحائض أو النفساء متصفة بالحدث الأكبر حتى تطهر وتتطهر. فلا تصح منها الصلاة ولا الصوم قبل ذلك ، ومن المعلوم أن قراءة القرآن لا تصح ممن هو متصف بالحدث الأكبر حتى يرتفع منه حدثه ومن ذلك المكث في المسجد وبناء على هذا فطالما أن الحائض والنفساء تتصف الواحدة منهما بالحدث الأكبر الباقي معها حتى تطهر وتتطهر فلا تصح منها العبادة حتى يرتفع حدثها بالطهارة وعليه فلا يجوز لها قراءة القرآن غيباً ونظراً كما لا تصح منها الصلاة ولا الصيام ولا الطواف ولا تجوز مجامعتها حتى يرتفع حدثها بطهارتها وتطهرها مهما طال أمرها والحال أنها كذلك. وقد أفتى بعض علمائنا بجواز قراءتها القرآن في المصحف بحائل إذا طال عليها الأذى وقد صار مني بعض التساؤل الإنكاري للقول بالجواز والحال أن الوصف الموجب لسقوط التكليف بالصلاة والصوم والطواف لا يزال باقياً وقراءة القرآن ممنوع منها الجنب - المتصف بالحدث الأكبر - فكيف يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن وهما لاتزالان متصفتين بالحدث الأكبر؟ وقد جاءت روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنع الجنب عن قراءة القرآن حتى يغتسل ويرتفع بذلك حدثه الأكبر. وهذا يعني أن المنع معلل بالاتصاف بالحدث الأكبر وهذه العلة موجودة في الجنب وفي الحائض والنفساء وهي وصف لا تصح معه العبادة من صلاة وصوم وطواف ومكث في المسجد مهما كان هذا الوصف قائماً ولاشك أن قراءة القرآن عبادة وقد جاء النص من كتاب الله بمنع مسه لغير الطاهر قال تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) والحائض والنفساء غير طاهرتين وما دامت الواحدة منهما متصفة بالأذى السالب للطهارة قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوهن في المحيض حتى يطهرن). فطالما أن الوصف السالب للطهارة قائم ولا تصح بوجوده العبادة من صلاة وصيام وطواف مهما بقي فما وجه استثناء قراءة القرآن وجوازه للحائض والنفساء والحال إن الوصف قائم؟ إن الصلاة أهم من قراءة القرآن وكذلك الأمر بالصيام ومع ذلك فلو طالت عادة الحائض عن مدتها الغالبة عليها من سبعة أيام إلى خمسة عشر يوماً أو أكثر فهل يوجد من علماء المسلمين من يفتي لها بجواز صلاتها وصيامها والحال كذلك؟ والتعليل بإجازة قراءتها القرآن خشية نسيانه والحال أنها متصفة بالحدث الأكبر غير مقبول فقدسية كلام الله ورفعة مقامه أولى بالاعتبار من التضرر بالنسيان وعليه فأرى أنه لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا للنفساء قراءة القرآن غيباً أو نظراً إلا بعد التطهر من الحدث الأكبر وأن التعليل بجواز ذلك خشية النسيان أو، لطول زمن الاتصاف بالحدث الأكبر تعليل غير ظاهر ومصادم لعموم النصوص من الكتاب والسنّة ومكانة كتاب الله، والله أعلم.