حدث هذا الحديث قبل أكثر من خمس عشرة سنة. حدثتني إحدى السيدات العربيات قائلة: نزلت مطار الملك خالد بالرياض. سارت الأمور طبيعية حتى وصلت إلى الجوازات. قدمت جوازي. بعد أن ختمه الموظف قال: فيه أحد بيستلمك. لم أفهم ما يقصده. ظننت أن المسألة اختلاف لهجات. ظننت أنه يقصد هل هناك من سيستقبلك؟ حتى وإن كان يقصد استقبالي، فالسؤال في غير محله. ليس من واجبه أن يسألني مثل هذا السؤال. لكني فسرت الأمر بحسن نية. طبيعة الشعب السعودي مضياف فقلت له: لا أحتاج لمن يستقبلني. فقال لا لازم يجي أحد يستلمك. فسألته لأستفسر عن كلمة يستلمك. لا تظهر على الرجل سيماء السماحة أو التعاطف. من نبرة صوته بدا أنه يؤدي واجبا. سألته كيف يعني يستلمني؟ فقال أنت حرمة ولازم يجي واحد يستلمك من المطار. أخيرا أخيرا تقرر أن أدخل في غرفة مع عدد من الآسيويات, تأكد لي أن الأمر استلام وليس اختلاف لهجات. تصورت أني طرد. ذكرني بهذه القصة تحقيق نشرته جريدة الرياض يوم الخميس الماضي. تحقيق عن سجن الدمام النسائي. لفت نظري مأساة السجينات المنتهية محكوميتهن. لا يمكن خروجهن من السجن حتى يأتي من يستلمهن. ما الذي يعنيه أن يأتي من يستلم المرأة بعد نهاية محكوميتها. أمامنا ثلاثة إجراءات بديهية. إما أن يأتي من يستقبلها من ذويها ومحبيها أو أن تذهب في حال سبيلها إذا اختارت ذلك, أو إذا اشتكت من غياب المأوى تصبح القضية مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية. المرأة إنسان وله حق تقرير مصيره بالصورة التي يراها. أبسط درجات الحقوق الإنسانية. بقاء المدانة يوم واحد إضافي في السجن بعد انتهاء محكوميتها يعتبر اعتداء على حريتها ومصادرة لقيمتها كإنسان. يشير التقرير أن بعض النساء المنتهية مدة عقوبتهن يمضين بقية حياتهن داخل السجن, في حال رفض ذويهن استلامهن. قرار الحبس صدر عن القضاء وقرار الحبس الثاني من المسؤول عنه؟ إذا دققنا في الأمر سنرى أن هذه صورة من صور الجاهلية. كانت المرأة قبل الإسلام جزءاً من متاع الرجل وممتلكاته. تحتاج من يستلمها كما يستلم المتاع. لا تتحرك في الحياة إلا تحت إشرافه ومراقبته وأوامره. في إحدى الفتاوى (المتنورة!!) قال الشيخ. لا بأس أن تسافر المرأة في الطائرة وحدها شرط أن يستلمها من هو محرم لها عند الوصول. ظن هذا المفتي أنه سهّل على المرأة وهو في الواقع ضحّى بالقيمة الفقهية المختلف عليها في مقابل تكريس القيم الجاهلية. أشرت مرة في هذه الزاوية إلى الورقة الصفراء التي تصدرها إدارة الجوازات للسماح للمرأة بالسفر وحدها. هذه الورقة تدل أن قضيتنا ليست دينية. بعض الفقهاء يرى أن المرأة لا تسافر إلا بمحرم وليس بإذن المحرم. إذن؛ المحرم ليس من شروط الفقهاء. السجينات اللاتي يمضين أكثر من محكوميتهن في السجن ضحايا نظام فكري وليس دينياً . إذا تجاوزنا المنظومة الفكرية التي تنظر للمرأة كمتاع فإن المسؤول الأول عن تلك الحالات هي وزارة الشؤون الاجتماعية. هذه المأساة صلب مسؤوليتها.