ترتبط "المدن" ببيئة مُزدحمة وملوثة وغير صحية، على عكس "الريف" الذي يرتبط ببيئة فسيحة ونقية وصحية. لكن ضرورات ظروف العمل وتفاعل النشاطات الإنسانية جعلت من المدن مقصداً حتى لأبناء الريف الجميل، وجعل الريف مكاناً للإجازات والراحة من صخب المدن وضجيجها. والتساؤل الذي سنطرحه هنا هو تساؤل عالمي يقول: "لماذا لا نجعل المدن خضراء" والمعنى هنا أن تكون المدن كالريف نقية خالية من التلوث تعطي الإنسان ظروف حياة أفضل. موضوع "المدن الخضراء" برز أخيراً في دعوة "الاتحاد الدولي للاتصالات" إلى مُؤتمر عنوانه "تقنيات الاتصالات والمعلومات: بناء مدينة المستقبل الخضراء"، وسيُعقد المُؤتمر في مدينة شانغهاي الصينية في شهر مايو الحالي، ويطرح المُؤتمر أربعة جوانب رئيسة لموضوع المدن الخضراء ويدعو الباحثين إلى الإسهام المعرفي في هذه الجوانب وصولاً إلى تصور مشترك للتوجهات المستقبلية بشأن بناء مثل هذه المدن، أو تطوير المدن القائمة لتصبح مُدناً خضراء. يختص الجانب الأول من الجوانب التي يدعو إليها المُؤتمر بمسألة "دور تقنيات الاتصالات والمعلومات في الحد من بث الغازات الملوثة للهواء" ودعم وسائل معالجتها. أما الجانب الثاني فيرتبط بقضية "دور الجامعات والبحث العلمي" في تطوير تطبيقات تقنيات الاتصالات والمعلومات وخدماتها مثل التعاملات الإلكترونية الحكومية منها وغير الحكومية، بما يُسهم في إيجاد بيئة أقل تلوثاً. ويهتم الجانب الثالث "بوسائل النقل ودور تقنيات الاتصالات والمعلومات" في إدارتها بشكل أفضل بما يُؤدي إلى استخدامها بفاعلية أكبر وضرر أقل على البيئة. ويُركز الجانب الرابع في مشكلة "التغير المناخي" ودور تقنيات الاتصالات والمعلومات الحد من هذه المشكلة ومساعدة الإنسان على تجنبها. بالنظر إلى الجوانب المطروحة فيما سبق، تبرز عدة ملاحظات، أولها أن المُؤتمر أقرب إلى التطلعات والطموحات المستقبلية نحو بناء مُدن خضراء منه إلى توفر الإمكانات لبناء هذه المدن. والمقصود هنا أن الأمر مازال يحتاج إلى أفكار وبحوث ودراسات جديدة ومُتجددة وتطبيقات وأفعال محسوبة، قبل أن يصبح طموح بناء المدن الخضراء مُمكناً ويتمتع بالجدوى المطلوبة. أما المُلاحظة الثانية فتشير إلى أن الأمر ليس فقط تقديم أنظمة أو منتجات تقنية، أو حتى توفير تطبيقات تقنية، بل هو أيضاً استخدام لهذه الأنظمة والتطبيقات. ويشمل ذلك على سبيل المثال كفاءة استخدام أنظمة إدارة وسائل النقل، وكفاءة استخدام خدمات التعاملات الإلكترونية، وغيرها من الوسائل والخدمات. وفي المُلاحظة الثالثة يبرز موضوع توجه الإنسان نحو الاستخدام المطلوب للأنظمة والتطبيقات المتوفرة أو التي يُمكن أن يوفرها الباحثون والمطورون في المستقبل، هذا التوجه نحو الاستخدام فيه القول الفصل في الاستفادة مما هو متاح وبناء المدن الخضراء المنشودة. وتقول الخبرات السابقة إن هذا التوجه يحتاج إلى زمن، ويعتمد على التفاعل الإنساني مع التقنية، ومن حسن الحظ أن هذا التفاعل يتطور مع الزمن. فاستخدام القطار من قبل الناس احتاج إلى حوالي نصف قرن كي يصل إلى مستوى الاستخدام العام، بينما احتاج الحاسب إلى نصف هذا الزمن، واحتاجت الإنترنت إلى أقل من عشر سنوات، والجوال إلى خمس، وربما تحتاج التقنيات الأحدث إلى زمن أقل. نحن أيضاً في المملكة العربية السعودية نحتاج إلى أن نفكر ونعطي في مجال المدن الخضراء، على كُل من المستوى المحلي والعالمي، نحتاج إلى أن نفكر ونعطي في التقنية وأنظمتها وتطبيقاتها، ونحتاج إلى أن نفكر ونُقدم على استخدامها والاستفادة منها بكفاءة وفاعلية.