يمثل عنوان مقال اليوم شكوى تتكرر مِن مَن لديهم مريض في العناية المركزة في بعض المستشفيات وقد وصل مراحل حرجة مع المرض . تفيد الشكوى ان هناك بروتوكولا تتبعه بعض المستشفيات يختصر طبيعة التعامل مع هذا المريض بكلمتين هي : no call والمختصر المفيد في هاتين الكلمتين ان هذا المريض لا يتم اسعافه او انعاش قلبه إن تعرض لانتكاسة لانه في حالة حرجة او شبه ميت او يجب ان يموت لأن وجوده في هذه الغرفة عبء اداري ومالي ونفسي بالنسبة للمستشفى ولأسرة المريض . وإذا صح ذلك وقد سمعته من ثقات تعرض بعض اقربائهم لهذه الحالة في بعض المشافي فنكون قد دخلنا في مرحلة حرجة في التعامل مع الحياة والموت والتي هي بيد الخالق عز وجل ؛ فالموضوع جد خطير في التعامل مع مرضى الحالات الحرجة بين مستشفيات تريد الابقاء على هذا المريض لاستنزاف اسرته ماليا ومستشفيات تريد الخلاص منه بصفة مستعجلة او الى ان يسوق الله لهذه الاسرة أياديَ حانية ترفع تلك العبارة من ملف مريضها بقوة الفعل الاداري . واذا اصبحت هذه العبارة جزءا من ثقافة مستشفياتنا فمن يثق في تلقي العلاج بها خاصة وان الحالة النفسية للمريض واسرته هي جزء لا يتجزأ من العلاج . ولعل اللجوء الى الرقية اصبح من اهم بنود البحث عن العلاج بعيدا عن المستشفيات لان الراقي ينقل للمريض آيات الشفاء من رب رحيم لا من طبيب لئيم . وأنا هنا أستخدم عبارة لئيم لأن لغة الطبيب او تعابير وجهه توحي بمستقبل العلاقة بينه وبين المريض . ولعل المرضى هم اكثر استخداما لمفردة " ملائكة الرحمة " والتي تطلق على الممرضات ولا ادري نوع الصفات التي ستطلق على أطباء تجاوزوا حدود المهنة فيكتبون تلك العبارة البغيضة في ملف مريض يرجو الشفاء من الله وهم يصرون على عدم انعاشه حتى تسري السموم في جسمه فيموت دون اي تبعات قانونية او شرعية . السؤال الآن هل المرضى او اسرهم حاليا هي ذات الاسر غير المتعلمة والتي لا تعرف حقوقها الشرعية او القانونية تجاه من يتسبب عامدا في موت مريضها ؟ وماذا لو اكتشف محام من العيار الثقيل او صحفي بارع ان تلك العبارة في ملف قريب له وتوفي بهذه الطريقة التدريجية التي اختفى فيها المجرم تحت عباءة اللجنة الطبية ؟ انها اسئلة صعبة سوف نجد تداعياتها في الاعلام قريبا ان استمرت هذه الثقافة في التعامل مع الحالات الحرجة في بعض مستشفياتنا. كنا في السابق نتابع قضايا ما سمي ب" موت الرحمة " في الغرب والمتمثل في سحب انابيب الحياة لمن يظن انه مات دماغيا ، وكيف كانت ردة فعل المجتمعات الاسلامية ومنها المجتمع السعودي تجاه تلك الممارسة . وهي ردة فعل لعل احد الباحثين الاعلاميين يدرسها في تحليل لمضمون الصحافة السعودية في الثلاثة عقود الماضية . اما اليوم فنجد ممارسة اشنع تنبع من مجتمعاتنا الاسلامية مثل تلك التي اشرت لها في بداية المقال مع علمنا بقوله سبحانه و تعالى : وَإِن يَمسَسكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (يونس 107) . إذاً هو الكاشف وحده سبحانه وتعالى للضر الذي اصاب هذا المريض إن كنا مؤمنين ومع هذا نجد من يعتقد انه هو من يحدد طبيا الحياة والموت والشفاء . قد يختلف معي بعض الاطباء من خريجي مدرسة التامين الطبي او اقتصاديات العلاج ولهم ذلك ولكن دون اعتراض يؤدي الى جريمة وفاة بدم بارد نعرف انها ترتكب الآن بحق بعض مرضى غرف العناية المركزة . كل ما استطيع فعله هنا هو التنبية فقط مستعينا بقول :" لا حول ولا قوة الا بالله " حتى تنجلى تلك الغمامة المريضة التي دخلت في ثقافتنا الصحية والتي ادخلها مع الاسف الشديد من يقوم بعلاج المرضى وتم ائتمانهم على ارواحهم . واذكر هنا ان الزميل امير طاهري قد كتب في الشرق الاوسط مقالا حول القانون الهولندي الذي اجاز في عام 2001 ما يسمى بموت الرحمة وفيه اعترض على الدعوات الموجهة للمرضى الذين لا يملكون الشجاعة على الانتحار بان يتجهوا الى هولندا للموت طبيا . وختم مقاله بان موت الرحمة كما هو معروف بالانجليزية "ثيونيزيا " تعني باليونانية القديمة هي "قتل الرحمة " وكان يمارس على الخيول المصابة بجراحات مميتة . و قال ان البشر ليسوا خيولا مصابة والاطباء ليسوا صبيانا في اسطبل . فماذا عسانا ان نخبرك يا امير ان قتل الرحمة لم يعد صناعة قانونية في هولندا او غيرها من دول الغرب او بعض ولاياته ، وانما اصبح صناعة محلية في مجتمعاتنا الاسلامية مع ان الحق سبحانه وتعالى يعلمنا بقوله : «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا» (المائدة 32).