أصبح تخصيب اليورانيوم اليوم من الموضوعات الخطيرة والمعقدة بسبب البرنامج النووي الكوري الشمالي والإيراني والشكوك التي تدور حول نوايا الأخيرة في استخدام اليورانيوم المخصب من أجل الأهداف العسكرية. ولكن إذا استبعدنا العامل الكوري والإيراني، فإن استخدام اليورانيوم المخصب من أجل الأهداف المدنية أمر تنظمه المعاهدات الدولية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أنشئت عام 1975 بهدف مراقبة التزام البلدان غير النووية بالاستخدام السلمي للطاقة النووية. فهذه الطاقة التي تستخدم لإنتاج أسلحة الدمار الشامل ممكن أن تستخدم أيضاً في إنتاج الطاقة. فنسبة الطاقة النووية المستخدمة في إجمالي ميزان الطاقة العالمي تصل إلى 20%. وفي بعض البلدان كفرنسا تصل هذه النسبة إلى أكثر من 70%. كما أن الأشعة تستخدم في مجال التشخيص الطبي ومعالجة الأورام الخبيثة وكذلك معالجة المواد الغذائية نباتية كانت أم حيوانية بطريقة التشعيع النووي وغيرها. فكيف يتأتى لنا نحن المدنيين إذاً، في كافة أنحاء العالم، الاستفادة من المنجزات العلمية في المجال النووي دون فتح المجال لاستخدام الذرة في المجالات الحربية والتوسع في انتشار أسلحة الدمار الشامل؟ في البداية، وقبل كل شيء، لا بد من التأكيد على أن الاستخدام الحربي لعلوم الذرة من قبل الولاياتالمتحدة في إنتاج أسلحة الدمار الشامل وإلقاء قنابلها على اليابان والتهديد باستخدامها في مواجهة الأعداء قد شكل بادرة خطيرة وأطلق العنان لسباق تسلح محموم أدى إلى بروز بلدان نووية جديدة هي الاتحاد السوفيتي، بريطانيا وفرنسا. وأعقبت هذه المجموعة ظهور مجموعة ثالثة. فإسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية هي اليوم من البلدان النووية أيضاً. وعلى هذا المنوال فقد تظهر مجموعة رابعة وخامسة وهلم جرا. إذاً فمن الواضح أن الأنظمة التي وضعها المجتمع الدولي لمعالجة الاستخدام السلمي للطاقة النووية ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل لم تعد كافية. فهذه الأنظمة، أو التحايل عليها، قد شكلت الأرضية الخصبة، كما يبدو، لتحول إسرائيل، الهند، باكستان وكوريا الشمالية وربما إيران في المستقبل إلى بلدان نووية. ودعنا هنا من العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان. فتجارته لم تؤد إلى إنشاء ولا مفاعل نووي واحد في العالم. فالمفاعلات النووية التي شيدت في المجموعة الثالثة من البلدان النووية قد بنتها شركات غربية. فالأرباح العالية التي يدرها تصدير التقنية النووية هي التي دفعت الشركات المنتجة لتلك التقنية للبحث عن مستوردين لها في العديد من بلدان العالم. فهذه الشركات هي ما غيرها التي شكلت قوى الضغط "اللوبي" على حكوماتها لتصدير المفاعلات النووية لإسرائيل، الهند، باكستانولإيران في عهد الشاه. وهي التي تبحث، إلى اليوم وغدا، عن زبائن جدد لها في كل مكان. وهذه مشكلة لنا نحن المدنيين التي يقايض فيه على أرواحنا أو صحتنا مقابل حفنة من النقود تسجل في رصيد حسابات المتاجرين بالتقنية النووية. فلقد برهنت التجربة، خلال السنوات الماضية، أن تطوير البرامج النووية السلمية إلى برامج عسكرية أمر ممكن. فتخصيب اليوارنيوم إلى 3.5% ومن ثم إلى 20% هي بداية الطريق إلى تخصيبه إلى 80% و 90%. ولذلك فلقد آن الأوان لتغيير قواعد هذه التجارة أو اللعبة الخطيرة. وأعتقد أن اقتراح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية السيد محمد البرادعي يمكن أن يشكل الأساس لتغيير قواعد التجارة النووية. فالبرادعي يدعو إلى تأسيس بنك عالمي لليورانيوم منخفض التخصيب، بهدف تكوين مخزون عالمي منه خاضع لإشراف وتصرف وكالته. فهذا الاقتراح، على ما يبدو لي، يستحق الدراسة من قبل المتخصصين في هذا المجال لتطوير كافة الجوانب الفنية والتقنية المتعلقة به. فبنك اليورانيوم في حال اتفاق بلدان العالم المنتجة للتقنية النووية على إنشائه من شأنه أن يغير المعادلة. فبعد إنشاء هذا البنك سوف يتمكن الراغبون في الاستخدام السلمي للطاقة النووية من شراء اليورانيوم المخصب حتى 20% من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبهذا تنتفي الحاجة إلى إنشاء مفاعلات بهدف تخصيب اليوارنيوم. ولكن هل سيقبل تجار المشتقات النووية ومجموعات الضغط الخاضعة لهم، والتي تدر تصدير المفاعلات النووية عليهم الأموال الطائلة، بمقترح البرادعي؟