من المستحيل أن تصنع شيئاً من لا شيء. ومن الممكن أن تألف بين أشياء لا قيمة لها لتصنع شيئاً ذا قيمة. لكن الأكيد انك قادر - متى توافرت الظروف المناسبة - على صناعة شيء مختلف تماماً وذي جدوى إذا بنيت على ما أسسه الآخرون. ذلك لأن تجارب الآخرين، وخبراتهم، ومنجزاتهم، تعد بمثابة المنجم. المنجم قد يخرج ذهباً أو معدناً نفيساً وقد يخرج تراباً أو معدناً ليس بذي قيمة لكنه في كلتا الحالتين قادح لشرارة الإبداع مذك للتفكير، محفز على العمل، محرر لطاقات الاكتشاف التي بداخل الإنسان. إنك أمام خيارين: فإن كان المعدن نفيساً؛ فما أحراك أن تزيده نفاسة وأن تبدع منه نماذج جديدة، تضاف إلى قصة الحضارة الإنسانية فصلاً أو فصولاً جديرة بالبقاء. وإن لم يكن كذلك فأمامك فرصة ذهبية لابداع ما عجز عنه الآخرون وذلك من خلال اكتشافك لمواطن الخلل والعمل على تلافيها وايجاد الحلول المناسبة لتجاوزها في سبيل بناء النموذج المثالي القابل للحياة والتطور. إن الحقيقة السابقة هي في حد ذاتها جزء من مفهوم العمل المؤسسي الذي تتطلبه المرحلة القادمة من مسيرة التطوير الذي تشهده بلادنا في شتى مناحي الحياة سيما وإن التوجه للإصلاح أصبح هدفاً وطموحاً ورؤية لا يمكن التنازل عنها ونحن في سباقنا الحضاري بقيادة رجل التطوير والإصلاح. وفي هذا الاتجاه فإننا في كل مؤسساتنا التربوية وفي كافة وزاراتنا ومؤسساتنا الاجتماعية والاقتصادية مدعوون إلى اتخاذ العمل المؤسسي أسلوب عمل فنقوم من خلاله برصد ودراسة المشاريع السابقة بهدف التعرف على مكامن الجودة، ومواطن الزلل فنبني على الجودة ونستبعد عناصر الخلل. وإن أول خطوة نحو هذا التوجه هو البناء التنظيمي الذي يحدد الواجبات والمهام ويرسم الأهداف والخطط ويحدد العلاقات بين منسوبي المؤسسة ويؤطر العمل بوضوح الرؤية والجدية والتطلع والإبداع. وأن نركز على الفاعلية في التخطيط والتنفيذ والتقويم وتحفيز الطاقات من أجل العمل إنها الخطوة الأولى في سلم العمل المؤسسي وعلى طريق الإصلاح لكنها نصف الطريق وربما الطريق كله. وعلى مستوى وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التربوية الأخرى فإن ما انجزه الآخرون في فترات سابقة من المناسب جداً أن يكون المنطلق الفعلي لعملية التطوير القادمة بناءً على مفهوم العمل المؤسسي. ولدى الوزارة كثير من المشاريع التربوية والمنجزات التي تحققت جديرة بالمراجعة والتطوير سيما وأنها تشمل عناصر العملية التعليمية والتربوية وتركز على الطالب والمعلم والمنهج والكتاب المدرسي والنشاط والمبنى المدرسي. وتشكل رصيداً ثرياً من الفكر التربوي والخبرات والتجارب العريضة في هذا الميدان. * وزارة التعليم العالي