179 قتيلا في تحطم طائرة كوريا الجنوبية    جمعية المعالي النسائية تشارك في مهرجان النورية بارك بمكة المكرمة    "المياه الوطنية" تنتهي من تنفيذ شبكات المياه في محافظة الحرث بجازان    الجامعة الأهلية بالبحرين: إطلاق منتدى الدكتوراه الاول للاعلام الرقمي في البحرين    "الأرصاد": التوقع بهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    شرطة الرياض تضبط شخصين عبثا بوسائل السلامة في محطة انتظار نقل عام    الأزهر يدين حرق الكيان الإرهابي لمستشفى كمال عدوان في قطاع غزة    أحلام عام 2025    "الزكاة" تحدد معيار المنشآت المستهدفة من الفوترة الإلكترونية    وزير الدفاع يلتقي قائد الجيش اللبناني    "روشن" تضع حجر الأساس لمجتمع "المنار" في مكة المكرمة    واتساب تختبر مزايا ذكاء اصطناعي جديدة    تغلب على المنتخب العراقي بثلاثية.. الأخضر يواجه نظيره العماني في نصف نهائي خليجي«26»    السعودية تحصد ثمار إصلاحاتها ورؤيتها الإستراتيجية    الجماهير السعودية تحتفل بتأهل الأخضر لنصف نهائي «خليجي 26»    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من بوتين    في المرحلة ال 19 من الدوري الإنجليزي.. ليفربول في اختبار وست هام.. وسيتي لإيقاف نزيف النقاط أمام ليستر    رئيسة الاتحاد السعودي للريشة مي الرشيد: أشكر وزير الرياضة وسنعمل بروح الفريق    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس الروسي.. القيادة تعزي رئيس أذربيجان في ضحايا حادث الطائرة    المملكة تعزز الأمان النووي والإشعاعي    أسعار النفط ترتفع.. برنت فوق 74 دولاراً    الصين: اتجاه لخفض الرسوم الجمركية على مواد معاد تدويرها    مبادرات تطوعية    الثقة الدولية في المملكة    «عزف بين التراث والمستقبل».. متحف طارق عبدالحكيم يحتفي بذكراه السنوية الأولى    "الرياض آرت" يُعلن مشاركة 30 فنانًا من 23 دولة في ملتقى طويق الدولي للنحت    في إطار الجهود المبذولة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.. إطلاق فعالية «ليالي الفيلم الصيني»    من دفتر الأيام: مشوار في قصرغرناطة بأسبانيا    يوم ثقافي لضيوف برنامج خادم الحرمين    تقدير دعم المملكة لقيم الاعتدال حول العالم    ضيوف "برنامج خادم الحرمين" يزورون مصنع الكسوة    طريقة عمل بسبوسة السينابون    أحد رفيدة وزحام العيادات.. مطالبات بمركز متخصص للأسنان    5 سمات شخصية تميز المتزوجين    5 آلاف خطوة يوميا تكافح الاكتئاب    «إيبو فالي» البلدة الأكثر بدانة في بريطانيا    شولتس: لا أنام إلا قليلاً رغم أني من محبي النوم لفترة طويلة    القيادة تعزي رئيسة الهند    المنتج الإسباني غوميز: «الجمل عبر العصور» جدير بالحفاوة في أي بقعة من الأرض    المنتدى السعودي للإعلام يطلق معسكرًا لتطوير الإعلام السعودي بالذكاء الاصطناعي    من الشهرة إلى الثروة: هل نحتاج إلى رقابة مالية على المؤثرين؟    منصة X: الطريق إلى القمة أو للقاع    «الفنيلة والسروال» والذوق العام    المطار.. عودة الكدادة !    الحرب العالمية الثالثة.. !    ماسك يؤكد دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف    قائد "الأخضر" سالم الدوسري يحصل على جائزة رجل مباراة السعودية والعراق    «حمام الحرم» يستوقف المعتمرين    اللغة العربية كنز خالد    ضبط 6 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    "الإسلامية" تؤهل الأئمة والخطباء والدعاة في تايلند    911 نموذج مثالي لتعزيز الأمن والإنسانية    إسرائيل تتمسك باستهداف المستشفيات    الأخضر السعودي يتغلّب على العراق بثلاثية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    أمير القصيم يرعى حفل جائزة الذكير لتكريم 203 طلاب متفوقين    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزيم: «السلفية الفلسفية» تطرح الأسئلة ... وتفسد خطط التنمية!
نشر في الحياة يوم 03 - 05 - 2011

عندما تقترب من ضيفنا يختلط عليك كل شيء، ترى السلفية مع الليبرالية، والعصرية مع الإرث التاريخي، القفز على النصوص والغرق فيها. والدكتور يوسف الحزيم يمل كثيراً من الأطر والوظائف، ولا تكاد تمسك له خطاً واحداً لكنه يؤطر نفسه بالتنمية المستدامة. اختار الاقتصاد فربح وخسر، وصال وجال، وظّف ملكاته في العمل الخيري، ومنحه فكراً ورؤية جديدين قد لا يروقان لكثيرين، ولكنهما في المجمل يمنحان العمل الخيري انطلاقة مؤسسية تكفل له دوام التطور والاطراد.
مارس الأكاديمية، من خلال التدريس في عدد من الجامعات، ووجد نفسه في التأليف، فأخرج الكثير من المؤلفات. ما يرهق مع الحزيم كثرة الواجهات والشرفات في حياته، هو هنا يهاجم الإدارة المالية في السعودية، ويشخّص سرطانات العمل الخيري، ويحلّل سبب تخلفنا الحضاري، ويبشّر بمقومات جديدة لهذا الكيان السعودي... فإلى تفاصيل الحوار:
ما الذي صاغ أبجدية حياتك؟
- صاغها جدي محمد راعي المحراب، وجدتي منيرة صاحبة الأزمة والهمة، فجاء والداي عثمان ولطيفة ليرعيا النبتة أبداً، وتلقفني بفترة المراهقة سميح مدرب التنس والتنس الأرضي في نادي الثقبة، فصنع مني منافساً حتى الآن، ويمكن لكم أن تسألوا عبدالعزيز بن صالح صاحب وردة الصالحية عن الهزائم التي ألحقته بها في نادي الفروسية.
وفي مدينة الخبر قولبني دينياً الدكتور طبيب محمد الدوسري، وآثار في عقلي الأسئلة الدكتور تركي الحمد في قسم العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، فلما أردت أن أعقل وأنضج هِمتُ بالسلفية، ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، والإمام الفارس سعود الكبير راعي ديرتنا الدرعية والوطن الأكبر ومفكري عصر النهضة العربية الإسلامية بمصر والشام، وشغفي بعصر الأنوار بأوروبا، وبنّاء الجزيرة الملك الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل.
ماذا وجدت في علوم الاقتصاد لتتخصص فيها؟
- المال أولاً والفكر تالياً، فالاقتصاد القوي يأتي بالكرامة، والكرامة تأتي بالعمران والنمو والإبداع، والاقتصاد الضعيف يأتي بالذل، والذل يأتي بالخراب والبلادة والتطرف، وعليه فقد دفعتني للاقتصاد الحاجة، والحاجة أم الاختراع، فالفكر لا يمكن أن يكون مستقلاً أو مبدعاً ما لم يكن صاحبه ذا كرامة.
وفي طريقي اكتشفت أن الفكر كي يعمل في أرض الواقع لا يصدر إلا عن عقل تجريبي. إن المعاناة والأزمة والتضحيات الفردية أو الجماعية هي الفرصة التي تولد منها أفضل الشعوب، وعليك تأمل التاريخ، فما حضارة بزت إلا بعد حرب، سواء كانت مشروعة أو غير ذلك، فالأقوياء يصنعون التاريخ، والمفكرون أو المثقفون الزاهدون عن الاقتصاد يتسولون، ثم يكتبونه في أبهى حلله.
تعلمت «البرغماتية» من النبي
من يستعرض تاريخك الوظيفي يجد تعدد محطاتك، أهي الفرص أم هو الملل؟
- الملل والتمرد سمة الباحثين عن الأفضل، والوظيفة شكل من أشكال العبودية، أضيف إليها هروبي الدائم إلى قدري، فراراً من بعض الرؤساء السيئين. كنت أقضي ساعات طويلة في الحلم محبطاً من واقعي ومحيطي ثم أثّر فى ثلاثة كتب أولها: دع القلق وابدأ الحياة ثم كتاب كيف تحقق النجاح وتكسب الثروة وكتاب إدارة الأولويات، إن ما تعلمته هو أن تكون ذاتي محور الحياة، فأصُبح إنساناً داخلياً ذا عزلة إيجابية، فمن عجز عن قيادة نفسه كان عن قيادة غيره أعجز.
ثم تعلمت العملانية «البرغماتية»، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أحرص على ما ينفعك...» رواه مسلم، لذا أفكر ملياً في منفعتي المادية أو المعنوية، الدنيوية أو الأخروية من كل سلوك شخصي، حتى لو كان متناهي الصفر، ثم تعلمت سياسة الصبر وتحمل الألم وقضم الحياة قطعة قطعة، وعيني مفتوحة بقوة على الأصدقاء والأعداء. لكن أصدقك القول إنني بحاجة إلى الترفيه، بعد أن حوّلت حياتي إلى ورشة.
بين فلسفة المكان والزمان... لمن الغلبة؟
- الغلبة للمكان، لأن الزمان فانٍ والمكان باقٍ، إن المكان ينتج الهواء والماء والمعادن والمكان خزين التاريخ من عادات وتقاليد وشيم وقيم والمكان ذاكرة الملهاة والمأساة وموقع البطولة والانكسار، إنه ذاكرة الجسد والحب والشعر والغناء والحداء. الغلبة للمكان لا للزمان.
التفكير الإبداعي هل يلاحقك في علاقاتك الإنسانية؟
- الإبداع ليس في العلاقات ذاتها، بل في طرائق التفكير والتعبير عنها، أما العلاقات ذاتها فهي تحتاج إلى الجوهر والجوهر في الغالب ثابت. لكن المعاصرة تجعل المرء يقسم علاقاته إلى ثلاثة: جوهر كامل يحتفظ فيه بعلاقات مخلصة وودودة جداً. ونصف جوهر يحتفظ فيه بعلاقات عاقلة ونصف نوعية ومحدودة. ولا جوهر يحتفظ به بعلاقات إنسانية عامة وغير محدودة جماعها اللطف والاحترام المتبادل والسلام عليكم وعليكم السلام.
العمل الخيري في السعودية لماذا لا نستقي التجربة الغربية فيه؟
- نفائس التجربة الغربية ضاعت بين رافض لها بالمطلق، أو ناقل لها بالمطلق أو غير منخرط بالحراك بالمطلق، أو فاهم لها وعاجز عن الفعل بالمطلق، أو فاعل وعاجز عن الفهم بالمطلق.
ما الخطر الذي يتربص بالعمل الخيري؟
- يتربص بنا سداسي المرض الخيري: القائد السوبرمان الذي بيده كل شيء وغيره لا يفعل شيئاً. ضعف الشفافية والإفصاح. المحسوبية أو الحزبية. القفز على القانون الوطني أو الدولي. العاطفة الجياشة ثم الاحتفال بها، يلحقه الاختفاء وإغلاق الأبواب. نقص الكوادر المتخصصة أو تحفيزها. إن الخير سيكون في إزاحة بعض الخيّرين!
«الأمن الفكري» هل يتطلب تحقيقه تكثيف المحاورات والمؤتمرات، أم أن هناك أمراً لم ندركه بعد؟
- المشروع الوطني العام والموحد ذو الهوية والرؤية المحددة المجسّد للعقد الاجتماعي السياسي المعبّر عن مصالح وتطلعات المواطنين، فيندفعون بإيمان للبناء والتحديث والتطوير، هو المدخل الأكبر والوحيد لأمننا الفكري والبديل الفوضى والتخلف، فالتخندق فالتشقق ثم الانهيار.
لو طلب منك تقويم قبولنا للآخر والتعايش معه، فما هي منجزاتنا على أرض الواقع؟
- الشعب السعودي نسبياً أكثر الشعوب تسامحاً وكرم نفس وعطاء، باستثناء مراكز قوى طارئة ومحدودة.
التسامح النظري هو أن تقبلني كما أنا، أي أن نتعايش سوياً على أن يحتفظ كل منا بخصوصيته الدينية والاجتماعية والثقافية، وينعكس ذلك في الاحترام المتبادل، فالذي بينك وبين المختلف فطرة الخلق الباقية في جوف كل إنسان، وفيها تتجلى عظمة التصوير الإلهي، قال علي بن أبي طالب (كرم الله وجه): «الإنسان أخاً لك إما في الدين أو في الخلَقَ».
«من حوار الحضارات إلى التواصل الحضاري» كيف لنا تفعيل هذا العنوان؟
- لا نحتاج لتواصل حضاري، بل تعلّم حضاري، لا أؤمن بحوار الحضارات أو صدامها، فكلتا الفكرتين ليست لها سند تاريخي، فالحضارة المنتصرة وحيدة دائماً تمارس فعلها، وعلى المهزوم التعايش لحين بناء نفسه، والعودة لاستردادها عندما يملك مقوماتها.
إن التعلم الحضاري يحتاج إلى الإيمان بالنفس والتواضع والقدرة على الاعتراف بالضعف، ثم اختيار خريطة طريق للتطوير والتحديث والصبر على ألم الطلب والمثابرة والالتزام بغير كلل أو ملل أو متعة، والحرص على بذل أقصى طاقة لتحصيل أجود مخرج تنافسي يتبعه الاحتفال بالإنجاز، فيشع الضوء الصالح «القدوة»، فيدب سباق الشباب لمحاكاته وتقليديه، فيعمم البر والإحسان «الإتقان»، فيصبح تياراً نهضوياً متدفقاً، وكل هذا وذاك يقوده الأبطال الممتازون ذوو الروح العالية الرفيعة الغيورون على شرف حالهم.
ما هو السلاح الحضاري الأقوى، الدين أم السلاح؟
- روح الأمة المكوّنة من الفطرة والعقل والإيمان والتراث والتجربة وفضيلة الممارسة وتحميها شوكة السلاح والاستعداد للموت، فمن الموت تولد الحياة.
يرى البعض أننا لا نعيش صراع حضارات وإنما هو صراع مصالح، ما رأيك؟
- الصراع هو تدافع المصالح بين طرفين متعادلين نسبياً، أما في حالتنا مع الغرب فلا انطباق للمصطلح فيها، وما يمارسه البعض الغيور هو مقاومة سلفية أو بدعية، سلمية أو عنفية، عاقلة أو مغامرة.
المشهد السعودي الفكري
كيف يتأتى لنا أن نطرح «الإسلام» كمشروع في الحركة الإصلاحية لأوضاع العالم المتردية؟
- نطرقه كما طرقته السلفية التنويرية ببداية القرن ال 20 لمحمد عبده ورشيد رضا ومحمد فارس الشدياق ومحب الدين الخطيب ومحمد حامد الفقي وشكيب أرسلان ومحمد أسد والطاهر بن عاشور وعبدالعزيز الثعالبي والكواكبي. ومشروع هؤلاء الأصالة والمعاصرة، وأظن أن إمكان استيلاده الفاعل ممكن، وهو حاضر في المشهد السعودي الفكري بقوة.
التفكير الإبداعي هل سنصل إليه في ظل الوصاية المطلقة؟
- على المثقف أن يخلق ويثري بدائله، فكلما زادت البدائل قلت العبودية، أرأيت أن أسمي العبودية، وأكملها إفراد الله وحده بالتوحيد، والخلوص له من الشرك. إن سقف الحريات ارتفع كثيراً بشكل غير مسبوق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والوصاية كانت من الماضي، وعلينا ألا نولول كثيراً، بل علينا ترشيد الممارسة وإنضاج الحراك الثقافي السعودي لتدعيم مشروع نهضتنا الحديثة.
البرامج التدريبية هل لها تأثير طويل المدى في إثارة الدافعية نحو العمل، ما هي إشكاليتنا تجاه العمل؟
- إن مشكلة التعليم في قيادته ذات المعرفة، ولو قاد التعليم ذوو المهارة لما أصبحت لدينا بطالة. إنها التعبير المر عن فشل أساس للتنمية التعليمية في العشرين سنة الماضية، وعندما أردنا الإصلاح جئنا بأصحاب المعرفة مرة أخرى إلى حقل التعليم الفني والتدريب المهني، فنقلنا فشلنا فأصبح جهلنا جهلاً مركباً، والخريج إن كان فني سيارات لا يعرف من السيارة إلا قيادتها، أو فني تكييف فلا يعرف من المكيف إلا تشغيل الأزرار، والشهادة تحتاج إلى قليل من الماء.
والحل في أن يخطط للتعليم رجال الاقتصاد والمال «التجّار»، أي المستفيد النهائي من الطلاب، وكذلك أصحاب التجربة الميدانية الناجحة الذين غربلوا المعرفة في أرض الواقع والبيئة المعاشة، وعرفوا ما يلزم من غير ما لا يلزم، وبذا ننتقل من المعرفة إلى خلق القيم، وفيها تولد الاتجاهات والميول ولصنع المهارة أهدرنا طاقتنا على المعرفة، فأصبحنا نسخة واحدة. انظر حولك فكلنا متشابهون نعرف كل شيء ولا نجيد شيئاً. إن المهارة أصدق فهي نابعة من الحاجة وملموسة في منتج أو خدمة نهائية، قديماً كنا بمهارات فكنا متنوعين وأثرياء.
الأسلوب التشاركي على كل المستويات هو من سيجعلنا نتجاوز المشكلات المجتمعية، هل نفتقد هذا الأسلوب؟
- لا أؤمن بالديموقراطية، أي المشاركة العامة، بل أؤمن بالمشاركة النوعية والكفؤة، أي مشاركة النخب والنبلاء وأهل الحل والعقد، فالحضارة يصنعها العظماء والإنسان الممتاز فقط كما يقول نيتشه.
طبيعة الشرط التاريخي... التغيّر والتحول، هل يتوافق الأمر مع المسألة الحضارية والعولمة؟
- حضارة الحياة صورة فسيفسائية مكوّنة من ألف قطعة، عليك أن تجمعها عبر تفكير رزين وبهدوء، وتضع كل قطعة في مكانها الصحيح، فتصنع تلك الصورة التي تعجب كل من شاهدها، فالذوق الإنساني المحايد واحد، تأسره الأشياء فيعترف لك بالقوة ثم يسألك التعّلم.
إن الحضارة كالماء إذا سكنت أسنت، والتحريك والحراك والمثاقفة وطرح الأسئلة في كل وقت هو دواء داء الجمود والفخار بالماضي وحسب، لذا فإن الثابت حضارياً آفل لا محالة والمتغير الأصيل الدائم هو التجديد وصدق الموقف وشهامة المراجعة وتواضع الكبار. إن الحضارة استعادة للتاريخ، فالحياة ليس بها شيء جديد في الجوهر القيمي، والمتغير والمتحول هو المظهر والتفاصيل، فمن كانوا سادتها هم الأقرب لإعادة صناعتها، لذا فإن قيادة الحضارة الإنسانية لن تبرح الشرق العربي الإسلامي أو الغرب الأوروبي المسيحي.
العالم لا يريد أن يفهمنا
بصورتنا الحالية، هل استطعنا الوصول إلى مرحلة تفاهم مع العالم؟
- العالم لا يريد أن يفهمنا، وإذا فهمنا ففهمه مغلوط، فإما نحن إرهابيون دمويون، أو ساديون داعرون، أو سذج متخلفون، لذا علينا ألا ننشغل بالآخر، بل أن نبحث عن ذاتنا من الداخل فنفتش بعمق عن الوعي المجتمعي، ونبدأ في التواصل معه وعلاجه، وتحفيز مكامن القوة والتصالح مع عقد الضعف، ورويداً رويداً سنتفاهم مع الإنسان الآخر.
أي الأبواب أسرع لنصل بالتفكير الإبداعي للعقلية السعودية؟
- أسرع الأبواب هو تمكين المبدعين في مراكز القيادة، أو أن يسعى المبدع لتمكين نفسه باستخدام الذرائعية الموقتة، ثم يفي بالعهد الذي قطعه بتمكين المبدعين الآخرين، كما على المبدع أيضاً أن يقبل بالإبداع التركيبي، من خلال تجميع أفكار متناثرة ثم يقولبها في مفهوم وشكل جديد وسريع يستطيع أن يجاري به معدلات الدوران العالية للمعرفة الإنسانية وكثافتها، ومن كثرة الإبداع هذا سيولد الإبداع الخاص، إن الإبداع الذي يعمل وبسرعة هو النافع وهو الذي سيمر من دون الاستغناء عن الإبداع الشامل بين حين وآخر. وأخيراً فإن شرط قدح شرارة الإبداع هو أن تغادر محيطك فوراً.
كيف ترى مستقبلنا في عالم متغير؟
- أرى أن مستقبلنا واعد ومشرق، وإن سألتني لماذا؟ فسأقول لك إنه الوعي الذي ألمسه في خُلق الشباب. إنهم يبحثون عن الأفضل إضافة إلى أسباب شخصية عندي قائمة على الحدس والتاريخ، فأمة الجزيرة العربية أمة ولودة بالأبطال ذوي العقول العتيقة وشيم الآباء والشمم والفخر بالذات الثمينة.
التغيّر أول مفاتيح التفكير المبدع. لماذا تأخذ هذه المسألة وقتاً لدينا أطول من غيرنا؟
- الشعور بالاكتفاء وافتقاد ألم الحاجة أي الدافع، أو عدم الشعور بألم الحاجة أصلاً. إن أجدادنا الموحدين بالله في السماء والأرض حينما صنعوا التوحيد الأول بعد النبوة، ذهبوا حاملين قيم الحرية «بأن لا معبود بحق إلا الله»، وكذلك قيم وشيم العروبة من الكرم والعطاء والتضحية والنخوة والغيرة والحياء والخطابة والشعر والبداهة، ثم اكتساب الماضي الإغريقي والروماني والبيزنطي بالمزاوجة، وتوظيفه في نظام ونسق حضاري ما زالت روحه الاجتماعية تعمل حتى يومنا هذا.
إن خلق الدافع السعودي الحديث هو نتاج رسالة - دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب - الفكرة والرسالة حينما تزاوجت بالقوة، واليوم نحن بحاجة إلى تجديد الرسالة والقوة مرة أخرى، واكتساب الحاضر الغربي الأميركي بالمزاوجة، وهو تحد فكري أكثر منه مادي.
السلفية الفلسفية هل تحبط مشاريع التنمية؟
- السلفية الفلسفية وظيفتها طرح الأسئلة لغرض الوصول لرؤية، فإن امتدت للتنمية أخربتها، لأنها خارج دائرة اختصاصها.
بين فرض العين وفرض الكفاية تاهت قضايانا، ما رأيك؟
- الحكم على الشيء نابع من التصور، فالخلل إن وجد فيكون من تصور خاطئ أو مشوش أو منقوص.
فلسفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل يحيط بها أهل الحسبة كما يجب؟
- إنها أداة اجتماعية فعالة للتكافل وحماية القيم في ظل ليبرالية فردانية غربية مسعورة، لكن القائمين عليها مخلصون في الغالب، ولا يعون كنهها المدني بنشر الفضيلة للوقاية من المنكر.
المتدين هل يزداد توتره فتتأثر حياته؟
- كل من يؤمن بإله متدين، والتوتر نابع إما من دين مغلوط أو مغلوط الدين.
الأزمات بشكل عام هل تساعد في ارتفاع وانخفاض مؤشر التدين في السعودية؟
- عندنا وعند غيرنا، ففي الشدة قال تعالى عنهم: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون). سورة العنكبوت آية رقم 65، وفي الرخاء: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى). سورة العلق آية 7,6، أي المال والتحدي الكبير للإنسان هو تحييد القيم قدر ما يستطيع عن ظرف الزمان والمكان والحدث.
الطبقة المتوسطة
الطبقة المتوسطة في المجتمع هل فقدت حضورها واتزانها في الحياة؟
- الطبقة الوسطى ورطت نفسها بالاستهلاك التفاخري، فوقعت في الدَيَن، وما زاد الطين بلة هو الذهاب لسوق الأسهم حالماً جشعاً، لاستعادة مجده الغابر الذي لن يعيده إلا بالإنتاج أو العمل.
يقول رسولنا: «أهل المدائن هم الجلساء في سبيل الله، فلا تحتكروا عليهم الأقوات، ولا تغلوا عليهم الأسعار»، أين الغرف التجارية من هذا الحديث؟
- الغرف التجارية عبارة عن تجمّع لبعض الصادقين أو القطط السمان والذئاب البشرية، يتآمرون على الضعفاء ويتبادلون المصالح في ما بينهم، بعد أن أكلوا أغلب الكعكة.
الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، هل هي حيلة على الربا؟
- لا بل إنتاج حضاري مهني مرموق صنعه خبراء شباب همّهم البحث عن البديل المقارن ثم الامتياز، اختطفه واستخدمه أحياناً فضيلة الشيخ آدم سميث.
«ما يفرزه السوق صالح، وما تتدخل فيه الدولة طالح»، البعض يسعى لتأصيل هذه المقولة العولمية إسلامياً؟
- الدولة راعية وحَكَم، والطامة أن تصبح طرفاً في الاقتصاد، فيدمر صغار وكبار البيروقراطيين حياة الناس، إما بالتعقيد أو بالفساد أو الفهم الضحل لقوانين السوق والعمران، والصحيح أن يترك الناس كي يرزق بعضهم بعضاً.
في بعض البلدان الإسلامية - النفطية تجديداً - توجد ثروات، لكن لا توجد اقتصادات، ما السبب؟
- لأن الثروات هي فائض اقتصادات الإنتاج والعمل ومؤسساته، فإذا جاءت الثروات من باطن الأرض مباشرة، فما الحاجة لأي شيء آخر بعدها!
أما آن الأوان لوقف حلقات مسلسل الدلال للبنوك المحلية؟
- أشك في ذلك، فمؤسسة النقد انخرطت أو أخرطت في شيء ما. والحل هو فصل مرجعية المؤسسة عن وزارة المالية، لترتبط بمجلس نقدي مستقل يشكل من خبراء ماليين محايدين الجمعيات المهنية وجهات أكاديمية مرموقة ووزارة المالية والبنوك السعودية.
القيادات الإدارية عندنا هل هي سبب أزماتنا المختلفة؟
- هي أحد أسبابها، وحلها قريب جداً حينما يتقاعد الجيل الإداري الحالي.
إدارات التسويق في البنوك أليست تجني على المواطن البسيط بمشاريعها؟
- عندهم التسويق الحق وظيفته ترويج الباطل!
أرباح بعض بنوكنا خيالية. لماذا المبادرات الاجتماعية لها أقل من اللازم؟
- لافتقادنا للسياسات الحكومية، أو مؤسسات المجتمع المدني الضاغط لاسترداد حقوقه، وأبرزها عائد الحسابات الجارية «الودائع المجانية» التي تشكل أكثر من 60% من إجمالي الودائع ولا يتقاضى عليها المجتمع عوائد، أو البخل والشح من بعض رجال الأعمال، فالتجار فجّار الأمن برّ وصدق وقال بالمال هكذا أو هكذا!
وزارة المالية.. المشكلة
الإدارة المالية للمال الحكومي هل أنت راض عنها؟
- وزارة المالية تابوه شبه مقدس لا يمكن المساس به، أو التعرض له لا من قريب أو بعيد، وشعارهم ويلك يالي تهمس في الخفاء عنا يا ويلك ويل، فنحن بيدنا ليس محبس الماء بل درجة تدفقه. يا سيدي القوة المطلقة مفسدة مطلقة. هم سبب أزماتنا الاجتماعية، فعلم الاقتصاد الاجتماعي ليس من أولوياتهم.
في مشوارك ماذا تعلمت؟
- الخوف شجاعة والشجاعة خوف، وكلما كبرت قُلت إنني الآن فهمت ثم اكتشفت بعد مرة أنني لا أفهم، ولا تصدق أن أحداً يزهد بالمال والنفوذ والشهرة، وإذا وصلت للقمة فمن المحتمل أن تكون قريباً من القاع، الغني والفقير يتساويان في التعاسة، فالغني يخشى أن الفقير يسرقه والفقير يشكي من أن الغني يظلمه، وأعلم أنك إن كنت كريماً فأنت لا تصلح للتجارة، وإن كنت مبذراً فأنت لا تصلح لأي شيء.
هل أنت موالٍ أم معارض؟
- الموالي والمعارض يتفقان بأن كلاً منهما يسعى للمال والنفوذ والشهرة بطريقته الخاصة. أما أنا فموالٍ يأسره التاريخ والرسالة.
إذا توليت وظيفة قيادية في كل مرة، فما أول شيء تفعله؟
- أول قرار سأتخذه أفصل ثلاثة سيئين، وثاني قرار سأتخذه أعيّن وأرقي ثلاثة جيدين، وثالث قرار سأتخذه أفصل واحداً من الثلاثة الجيدين، لأنه شعر بالقوة المطلقة فخان الأمانة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.