من هو الرقيب !! فاصلة : «لكم هو سهل سحق الحرية الداخلية لدى الإنسان باسم الحرية الخارجية» طاغور - أكثر ما يزعج في عملية الكتابة أن تلح عليك الفكرة ولا تستطيع أن تكتبها لأنك مع تقادم الفترة التي تكتب فيها تعرف تماما الخطوط الحمراء بل وحتى تعرف شخصية المجيز في إجازته للمقالات أو المواد الصحفية حتى ولو لم تقابله أو تحدثه، فتحتار ان تعيش شعور الاستسلام والجبن او المبادرة غير المفيدة !! ولأنه لا يوجد معايير للرقابة أو لإجازة المواد فهي تتوقف على طريقة فهم ما وراء الأسطر أحيانا أو ما تعنيه الكلمات فإن المقالة التي لا تنشر اليوم قد تنشر في وقت آخر. وأكثر ما يزعج هو التفاوت في المعايير بين صحيفة وأخرى والفكرة التي لم يجيزها للنشر المجيز في جريدتك قد تلقاها في جريدة أو مجلة أخرى أو قد تلقاها في نفس الجريدة في قسم آخر من أقسامها !! وذلك لان لكل قسم في أي مطبوعة مجيز خاص للمواد بمعنى طريقة خاصة وفهم وادراك خاص وان كان المجيزون جميعا يعملون وفق سياسة المطبوعة وتوجهاتها. عندما يرفض للكاتب مقال فإنه يغضب ويحزن ولكن ذلك يتوقف على تفسيره للرفض وبعده عن الشخصنة في تحليل المواقف. إنما الذي يحزن بالفعل ليس عدم نشر المقال وإنما أن تموت الفكرة خاصة وان كانت تتعلق بنشر قضية إنسانية، بل هي قضية خلاف أزلية مستمرة بين الكاتب والمجيز الذي يعجبه بلا شك الكاتب التقليدي الذي يكتب الأفكار العامة أو المشاعر الوجدانية إذ كلما اقترب المقال من الواقع ومشكلاته كلما شعر المجيز أن الحروف والكلمات أشواك شائكة. لا أتخيل نفسي أبداً أن أقوم بمهمة إجازة المقالات فهي عملية صعبة من النادر ألا يحكمها قناعات المجيز ورؤيته للأمور من زوايا تحددها سياسته التي لا بد ان تقترب من سياسة الجريدة. ليس الكاتب وحده المقيد بل المجيز أيضا وكلنا في أيادينا قيود المجتمع الذي نعيش.