لدينا مشاريع زراعية ضرورية ، وأخرى عشوائية ، فحين أوقفت وزارة الزراعة زراعة القمح بسبب إهدار المياه، تحوَّل المزارعون إلى مزارع العلف الأكثر إهداراً، حتى إن التصدير لدول الجوار لهذه السلعة المكلفة جداً، صار أضحوكة المواطن والدولة المستفيدة.. أما مزارع الدواجن والألبان، وتربية المواشي، والأسماك وغيرها فهي مثل النشاطات الزراعية الأخرى المعانة والحاصلة على القروض، ورخص الوقود وتشغيل العمالة المستوردة، ونقاط الضعف الخطيرة أن هذه المشاريع الاستراتيجية التي قصد منها أن تكون جزءاً من توفير الغذاء بإمكانات وطنية واستثمار داخلي، صارت تتجه للسوق الخارجي للبيع بأقل من كلفتها التي تتحمل الدولة معظم الصرف عليها.. وفي الصناعة فإن شركات الأسمنت والحديد ، وتهريب البنزين والديزل، والصناعات الأخرى التي كان الهدف منها سد احتياجاتنا الداخلية، باتت تتذمر عند فرض أسعار معقولة ، وعندما يحظر التصدير لصالح الاحتياج العام تُذرف الدموع وتتعالى الأصوات بتكدس الفائض، وهي حجج بعضها ليس صحيحاً، وعندما ينادي البعض برفع أسعار البنزين والديزل الذي لا يستفيد منه صاحب السيارة والسيارتين أمام أساطيل النقل والمصانع، يخرج بعض التجار بالشعور الوطني أن رفع هذا المنتج الاستراتيجي يضر بالمواطن الصغير، بينما يضيف إلى مصانعه وناقلاته وسياراته الشخصية العائلية وغير العائلية، وهي صورة المحتال الذي مع كل هذه الامتيازات يبحث عن أي ذريعة في رفع أسعار منتجات مصانعه أو أي نشاط تجاري أو صناعي بأحاسيس الضعفاء. نأتي لموضوع غائب عن اهتمام المواطن، فعندما منعت المملكة تصدير الرمال وأوقفت فوضى المحاجر واحتكارها لبعض التجار، كان الهدف الأول بيئياً في خطورة اقتلاع السطح النباتي، والآخر أن المحاجر، وخاصة منها ما يتعلق ب«الجرانيت» والرخام والحجارة ذات العائد المهم في مشاريع البناء، كانت تصدر للصين بالملاليم، وتعود إلينا بالملايين عندما تباع في أسواقنا بأسعار خيالية، في حين لا تصل تكاليف المصانع، ولا تشغيل اليد العاملة إلى عملية التفاضل بين التصدير للمواد الخام، وعودتها لنا بضائع تتحكم في أسعارها الدول الصناعية مع الشريك السعودي.. في كثير من الدول، وخاصة ما يتعلق بالسلع الاستراتيجية التي تتعلق بالأمن الغذائي أو الصناعي والتجاري، يحظر تصدير أي مادة معانة من الدولة عندما لا يكون هناك فائض تقتضي الضرورة تصديره، وفي حال أصر المنتِج على كسر هذا القانون ترفع عليه الضرائب أو تخضع لسلطة الجمارك، وقد يتذرع البعض أن الدول الصناعية تكسر هذا الطوق وتعين المصدرين، لكن هذا يأتي عندما يكون الإغراق مثلاً للسيارات اليابانية داخل السوق الأوروبية طاغياً على صناعاتهم فيأتي الرد بالمعاملة بالمثل، لكن الكل كاسب، والكل راض بقوانين الآخر.. عموماً نحن في ظروفنا وعدم اكتمال قوانيننا نتيجة تسارع التنمية وضعف التجربة، لابد أن نأخذ منحى البلد الذي يجب أن يفاضل بين ما هو سلعة استهلاكية محلية، وأخرى صناعية استراتيجية للتصدير ونبني عليها مصلحة الوطن والمواطن..