انتقلت وزارة التعليم العالي من حالة السّبات إلى الأضواء العالمية عندما تحركت بكل الاتجاهات، تأسيس جامعات جديدة، ودعم وتطوير القائمة، وفتح باب الابتعاث إلى كل جامعات العالم المرموقة ، ومد الفترة خمس سنوات أخرى، وفي هذا الزخم افتُتح المعرض الدولي للتعليم العالي بحضور هائل من أهم جامعات وشخصيات العالم الحاصلين على جوائز نوبل، أو القائمين على إدارتها ومراكز بحثها العلمي، وعندما نشهد هذه التظاهرة النادرة، والباعثة على آمال أن يسير التعليم العالي بمنهجية وتقنين رائدين فإننا نقطع أولى درجات السلم الطويل بأبعاده المختلفة.. هذا الجهد المركّز والكبير الذي جعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ينقلنا من العتبة الأولى، لسقف العالم بمشروعه الحضاري عندما توجه للإنسان ليكون رقم المعادلة الثابت في نهضتنا، إنما يؤكد على ريادته واتساع فكره الخلاق في بناء وطن بعقل يستوعب العلوم والمعارف ، ويخلق بيئة متطورة ليس فقط على المستوى الاقتصادي، وإنما على التكوين المعرفي وآفاقه التي تطل على المستقبل البعيد.. تظاهرة المعرض لم تأت تجارية، أو ترويجاً لدعاية ما، عندما عقدت جامعاتنا عدة اتفاقات مع الجامعات العالمية، وأدارت حواراً مع أكبر العقول بتنوعاتها الثقافية والعلمية ومنهجية البحث وتطويره، ولعل هذا الحضور الكبير للرياض، يعد قيمة بذاتها، أي أن وصول هذا الحشد من العقول واستجابته للمشاركة ونقل صور لنشاطاته لتتفاعل مع قوانا البشرية المتطلعة للخلق والابتكار ، وقيادة الإدارة الأكاديمية بأحدث أساليب التطوير، إنما يأتي لمصلحة وطنية خططنا وسعينا لها بإرادة من يريد توطين التطور بكل مناحيه.. ما يشد الانتباه هو الحضور المكثف للزائرين من شبابنا وشاباتنا الذين يريدون مواجهة التحدي بإرادة مفتوحة وتصميم على كسب المعرفة، وهذا يضعنا أمام حقيقة مختلفة، أي أن الحضور للنشاطات الرياضية أمر متعارف عليه عالمياً، لكن أن نرى طليعة اجتماعية كبيرة تركض لشراء الكتاب وأجهزة الكمبيوتر، وحضور المعارض الكبرى الثقافية والعلمية، والاتجاه لكسب المعلومة من مصادر مختلفة ، والانتشار عالمياً في السياحة للاطلاع على منجزات وحضارات الشعوب، فذلك هو الوجه الحقيقي لهذا الجيل والأجيال الأخرى.. لقد زرع الملك عبدالله مبدأ الثقة عند المواطن بنفسه، وأطلقه ليكون المشروع الحضاري وهي تحديات ليست سهلة أن تنتقل من شبه الأمية إلى شمولية المعرفة، وأن تنتقل من التقليدية المطلقة والمجتمع الضيق إلى آفاق العلم بل إنها مهمات صعبة، لأن إنشاء مدينة متكاملة العمران والمرافق أسهل من بناء مجتمع يتواصل مع المنجز الحضاري، ولذلك فإن التعليم في عموميته، وخصوصيته العليا، إنما يأتي انتقالاً إلى الميادين الأوسع والأرحب، والمملكة في خطواتها الجريئة لم تغامر حين فتحت مجالات التعليم باختصاصاته المختلفة، واتجهت إلى العالم المتقدم في بعوثها، ثم حضور عالمي في معرض دولي يجسد خلاصة التطوير في التعليم الجامعي وآفاقه ومستقبله العريض وإنما لنجني الحصيلة الأهم للمهنة الأكثر كسباً ونجاحاً..