ها قد مرت أكثر من عشر سنوات على عقد الملتقى الأول للصيادلة، اللقاء الذي كان سبقًا بين مختلف المهن الصحية في المملكة، وطريقًا مبتكرًا نحو التخطيط المبكر لمهنة تعد أحد الأركان الأساسية لمنظومة الرعاية الصحية في بلادنا. عقد اللقاء الأول في فندق الأنتركونتنتال الجبيل، في مدينة الجبيل الصناعية، خلال الفترة 30/10- 2/11/1419ه الموافق 16-19/2/1999م، وجاء اختيار مدينة الجبيل المميزة، لكي يستطيع المشاركون العمل على تحقيق أهداف هذا اللقاء الفريد من نوعه دون وجود أية مؤثرات خارجية من ارتباطات اجتماعية أو علمية قد تؤثر على سير ورش العمل والنقاشات، وصياغة التوصيات. فكرة هذا اللقاء الاستقرائي Inductive ليست بدعة أو فكرة حالمة، بل هي تقليد علمي يكاد يكون عادة في المهن والتجمعات المتجانسة، وفي مهنة الصيدلة مثلاً يقوم الاتحاد العالمي للصيدلة FIP بعقد عدة مؤتمرات حول العالم تناقش مستقبل المهنة في تجمعات مركزة ولقاءات حية، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية تميزت الجمعية الأمريكية لصيادلة النظام الصحي ASHP بلقاءاتها المستمرة لمستقبل مهنة الصيدلة، مما مكّنها من قيادة مسيرة تطور المهنة، وجعل الصيادلة بأنفسهم يقررون مستقبل مهنتهم! هدف اللقاء هدف اللقاء إلى الخروج بإستراتجية عامة لتطوير مهنة الصيدلة في المملكة خلال السنوات العشر القادمة، وتحديد العقبات التي تحد من تطوير المهنة واقتراح الحلول المناسبة لها، من خلال تحديد نقاط القوة في المهنة وتعزيزها، وكذلك تحديد نقاط الضعف ومعالجتها، بالإضافة إلى اقتراح خطط عملية لكل مسار مهني، وتحديد أولوياته، مع اقتراح مشروع أو مشروعين لكل مسار مهني، يتم تبنيها من قبل إحدى الجهات الداعمة. تطوير المهنة أولاً قام على تنفيذ هذا اللقاء المميز لجنة تطوير المهنة في الجمعية الصيدلية السعودية والتي كان يرأسها تلك الأثناء (1418-1420ه) الأستاذ الدكتور صالح بن عبدالله باوزير (نائب رئيس الهيئة العامة للغذاء والدواء لشؤون الدواء حاليًا) وفريقٌ مميز من الصيادلة المحبين لمهنتهم، وكانت فلسفة اللقاء تعتمد على أن أي مهنة لن تتطور أو تتوسع إلا بقدر حماس أبنائها، ولن تصل إلى آفاق جديدة إلا بقدر تضحيتهم في سبيلها، كما أن المهنة ومن خلال مسيرة تطورها توجه العديد من التحديات المتغيرة، التي كان من الواجب التوقف عندها قليلاً ومحاولة فهمها بشكل كلي والغوص في أعماقها، بالإضافة إلى الاستفادة من الرؤية الداخلية بواسطة الصيادلة أنفسهم والرؤية الخارجية من غير الصيادلة من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق دعت اللجنة عددا من النخب الصيدلانية والخبراء ليساهموا برأيهم بما يدفع المهنة نحو مزيد من النجاح والتقدم، ويمهّد الطريق أمام أجيال الصيادلة والصيدلانيات الشباب. وكان عنوان اللقاء الأول: (نحو استشراف مستقبل مهنة الصيدلة). الذي أضحى علامة فارقة في تاريخ الصيدلة السعودية. مجموعات عمل متخصصة تم تقسيم مسارات المهنة إلى عدة مجموعات عمل متخصصة وهي (التعليم والتدريب الصيدلي)، (الممارسة المهنة- صيدلة المستشفيات)، (الممارسة المهنية – الصيدليات العامة ومستودعات الأدوية والمكاتب العلمية)، (الصناعة الدوائية)، (السياسة الدوائية). تضم في عضويتها ما تجاوز الخمسين صيدلانيا من حملة الدرجات العلمية وأصحاب الخبرة الواسعة، سواء في القطاع العام أو الخاص وحتى كليات الصيدلة. الأمر الذي ساعد على تنوع الآراء وتعددها، وساهم في نضوج النتائج وتميزها. توصيات تحققت بعد شهور متتالية من التحضيرات واجتماعات فرق العمل المتخصصة، ثم تنظيم الملتقى الذي جمع نخبة الصيدلة في المملكة، وبعد مداولات مارثونية ونقاشات مطولة خرج هذا الملتقى بالعديد من التوصيات، والتي أخذت طريقها إلى التنفيذ عبر سنوات من العمل الجاد والدؤوب، فمثلاً نجد مجموعة التعليم والتدريب قد أوصت باستحداث الدرجة العلمية Pharm.D وهي الدرجة العلمية الغالبة حاليًا في معظم كليات الصيدلة بالمملكة، أما في مجموعة صيدلة المستشفيات، فقد أوصى الملتقى بإنشاء مجلس علمي خاص بالصيدلة تحت مضلة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية وهو ما حدث بالفعل، وكذلك اعتماد برنامج تدريبي للصيادلة العاملين في المستشفيات، وهو ما يطلق عليه حاليا: برنامج الإقامة في الصيدلية، تحت إشراف واعتماد الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، أما في مجال الصيدليات العامة والمكاتب العلمية لشركات الأدوية فلقد حث الملتقى على تأسيس الهيئة العامة للغذاء والدواء لتكون هيئة رقابية سعودية بمعايير عالمية وهذا ما تحقق على أرض الواقع قبل أكثر من سنوات ست. والقائمة تمتد وتتصل بكثير من التوصيات والرؤى التي تحولت إلى واقع حقيقي معاش، أو على الأقل مهدت الطريق نحو ممارسات مهنية أكثر قربًا من المريض. ولكن.. على الرغم من تميز اللقاء وأسبقيته لعصره، إلا أن غياب طلاب وطالبات كليات الصيدلة وهم مستقبل المهنة، وكذلك الزميلات الصيدلانيات وهن نصف المهنة عن طاولة الحوار أمر لا بد أن يستدرك في أي لقاءات قادمة، دون إغفال أهمية المناقشة للوضع الحالي والمستقبلي لفنيي الصيدلة. والحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لتكرار عقد هذا الملتقى من جديد، فالتحديات تغيرت والمجتمع أضحى يطالب مهنة الصيدلة بالكثير. الملتقى الثاني... إنها دعوة صادقة إلى لم شمل الصيادلة مرة أخرى، فالمهنة تواجه حاليًا مخاطر جديدة وتحديات مختلفة، بالإضافة إلى أن التوسع المتسارع في قنوات التعليم الصيدلي، وتنوع مجالات المهنة وتخصصاتها تعتبر فرصًا من الممكن تحويلها إلى فرص أكثر ومجالات وظيفية أوسع، ولعل المهمة تقع على عاتق الجمعية الصيدلية السعودية، وبالتعاون مع الجهات الدوائية الأخرى كقطاع الدواء بالهيئة العامة للغذاء والدواء، والمجلس العلمي للصيدلة بالهيئة السعودية للتخصصات الصحية، كذلك إدارة الرعاية الصيدلية بوزارة الصحة، دون إغفال الدور المحوري لكليات الصيدلة وخصوصًا الكلية الأم بجامعة الملك سعود، في بعث هذا الملتقى من جديد، فهل من مجيب. * صيدلي