المجتمع العربي مجتمع قبلي، وتختلف بنيته من بداوة صحراوية ذات ترحال دائم، إلى أخرى زراعية مستقرة، وكلتاهما ترتبطان بتقاليد وعادات حتى إن القضاء العشائري ظل يدير الأحكام خارج السلطات القضائية الحكومية بما يسمى ب «العُرف» الذي يقوده مشايخ تلك القبائل، وحكماؤها.. العمل السياسي لتلك القبائل ظل خارج المفهوم الاستراتيجي والعملي لتلك الأفكار إذ غالباً ما كان الانتماء لجهة ما تفرضه مصلحة العشيرة والقبيلة، ومن هنا تعددت الولاءات لكنها في الحاضر تجاوزت الماضي للدخول في لعبة الانتماء الطائفي، وهي صيغة جديدة في تحالف قد لا تكون المصلحة أساسه، وإن كان صدام حسين في حربه مع إيران رفع شعار القبيلة والعروبة في مواجهة الفارسية فكان الحسّ العربي يغلب الطائفي، وهو ما يؤكد أن الانتماء للجذور قد لا يكون بوزن وقوة الطائفة، إذا ما كانت المواجهة من جهة خارجية.. العالم الإسلامي تسوده نفس التقاليد القبلية، وإن ظلت محاربة شرسة سواء داخل بنيتها الذاتية، أو مصادمة الجهات الحكومية، أو الغزو الأجنبي، كما يحدث في أفغانستان وباكستان لكن الصفة الملازمة للقبيلة الإسلامية هي أن الانتماء الديني قوي جداً، ومن هنا جاء مأزق أمريكا في حروبها هناك، إلا أن تجربة العراق أشعلت فتيلاً آخر في مسار الحرب عندما أصبحت القبائل تعاني مشاكل القاعدة وهي ذات الانتماء السني الواحد، ومع ذلك شكلت مليشيات بمساعدة القوات الدولية استطاعت أن تطرد القاعدة، وكادت الخطة أن تفشل بسبب رفض الحكومة العراقية منحهم حقوقهم في التوظيف والإعمار وعودة المهجّرين، وقد عالجت أمريكا بعض القضايا العالقة لكن التجربة كانت ناجحة، وهو ما يؤكد أن مصلحة القبيلة فوق الاعتبارات المذهبية أياً كان دورها.. القوات الدولية في أفغانستان وباكستان عجزت عن أن تحارب القبيلة باسمها ضد طالبان، وقد يعود ذلك إلى أن توفير دخول من مزارع المخدرات، وفساد النظام السياسي هناك أعطيا مبرر البقاء في صفوف طالبان، وضد الحكومة المركزية، ومع أن التجربة لم تفشل إلا أن تحقيق نتائج على الأرض يمكن أن يحدث لو شعرت القبائل بحصولها على مطالبها مدفوعة بأن أمنها له الأولوية على أفكار المنظمة.. في اليمن الآن، والتي تشابه ظروفها ظروفَ أفغانستان إلا أن المذهب لم يكن أساسياً، والدليل أن في كل قبيلة طرفاً سنياً وآخر زيدياً، وظل التعايش تحكمه تقاليد القبيلة، ولم يبرز الفرز المذهبي، إلا عندما بدأ التسييس للدين، ومع ذلك هناك شعور داخل القبائل من أنها لا تقبل أن تدمَّر قراها وممتلكاتها، وهنا وجدت بذرة الحرب على المذهب من نفس من ينتمون لجذور القبيلة وفروعها، حتى إن من قاموا بالتخلص من الحوثيين أو محاربتهم هم من أبناء السنة والزيدية معللين أن القبيلة هي الجامع الأكثر قوة في الحسّ العام، وقد تنجح الحكومة اليمنية في إضافتهم لقوتها.. قِدم القبيلة لا يعني أن الدين يأتي في المرتبة الثانية، لكنها ظروف الواقع التي فرضت أن تلعب دور المواطنة من خلال الجذور، وهي صيغة جديدة في الصراعات العربية المعاصرة عندما كانت الأيديولوجيا والحزب هما من يحكم وتحت غطاء ثقافي وعلماني ليأتي البديل، هذه المرة، قبلياً..