سعودي خجول وسيم كان محور اهتمام الفتيات. عشرات المرات تصله مكالمات من فتيات يدعين أنهن أخطأن في الرقم وهن كاذبات تبدأ بعدها صداقة ثم صداقة وهكذا. كان من السهل عليه أن "يُرقّم" أي فتاة متى شاء. وكان مفرطا في استخدام العادة السرية. لكن وخز ضميره كان يؤرقه ويصور له تلك الأفعال ذنوبا كالجبال تكاد تنهد عليه فيشعر أحيانا بضيق نفس فهو لايستطيع أن يُتم نفسا عميقا ويستشعر أنه يقع تحت طائل "كأنما يصّعد في السماء". كثيرا ماكانت تعاوده كوابيس يرى فيها جسده عارياً أمام الجموع أو متسخا بإفرازاته. لم يشك لحظة أنها انعكاس لذنوبه، أو هكذا صورت له نفسه. وجد رغبة ملحة في التكفير عن ذنوبه. بدأ بالمحافظة على الصلاة وبرغم أنه لم يستخدم الموسى قط إلا أنه ترك لتلك الشعيرات الناعمة أن تأخذ حريتها على ذقنه. كان كثيرا مايتلو القرآن ويصلي الليل ويحرص على الجماعة. يصوم الاثنين والخميس. قصر ثوبه وتخلى عن "عقاله" الذي لازمه لسنوات. كان يمضي الساعات على الإنترنت يطالع ويقرأ لمجموعة كتاب اشتهروا بحدة كتاباتهم ونصبوا أنفسهم حماة الدين وعلماء الأمة ومنقذيها، اطلع على حقيبة المجاهد. اختلطت في عقله الصغير مشاعر هائجة كهيجان البحر من شعور بذنب لعادة لم يستطع التخلص منها رغم كل محاولاته ونذوره بالإقلاع عنها، إلى غضبٍ لما يُصيب المسلمين من أذى في مشارق الأرض ومغاربها، إلى تأففٍ من بُعد الناس عن الله ومحاربتهم له. لم يعُد ير في الناس مسلمين إلا هو والدائرة الضيقة من أصدقائه الجدد وكتاب الإنترنت. أما البقية فعصاة أو كفرة. حدثته نفسه كثيرا بالذهاب إلى العراق أو أفغانستان أو باكستان. استأذن أهله بالذهاب إلى العمرة وكانوا قد اعتادوا على ذلك، وهم يدركون أن استئذانه ليس إلا قرارا. بدلاً من مكة ذهب إلى اليمن بعد أن أقنعه شيوخه بضرورة الجهاد، وأن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وأن الجهاد أقصر الطرق إلى الجنة. في اليمن تدرب على استخدام المتفجرات وتشريك السيارات واستعرض أفلاما عن "الشهداء" الذين فجروا أنفسهم وهم يبتسمون "فقتلوا من أعداء الله" السعوديين والباكستانيين والمصريين والعراقيين والأردنيين واليمنيين المئات. تبع ذلك التكبير وأناشيد "الجهاد". بدأ يلح على الجماعة في اليمن أن لايؤخروه عن الشهادة فعروسه الحوراء تنتظر مهرها. كان على استعداد لتفجير نفسه في أي مكان، ولتكن الضحايا من تكون. المهم أن يقبله الله في الشهداء. بعد أن أتم تدريبه، بشَّروه بقرب الشهادة. ثم طلبوا منه الاستعداد للسفر فحلقوا لحيته وأقنعوه أن ذلك من الجهاد. كان قلقا من عملية تهريب المتفجرات وخشي أن يُفتضح أمرها على الحدود فيُحرم من الشهادة ولكن أصحابه طمأنوه: لن تحتاج إلى حمل المتفجرات فهي موجودة هناك في السعودية. إذا وصلت بحفظ الله صلّ في المسجد الفلاني وانتظر بعد الصلاة سيمر عليك أخٌ ويترك لك شريحة محفوظا عليها رقم واحد. اتصل عليه واتفقا على اللقاء ثم أتلف الشريحة. سارت الأمور بأسهل مما تصور وحصل على السيارة الملغمة وابتسم: لم يعد بيني وبين الجنة وحور العين إلا "الدقمة". تمنى لو حانت ساعة الصفر الآن. ولكن لابد أن ينام ويرتاح لكي يتهيأ للجهاد وقتال "أعداء الله" في جزيرة العرب. كان صوت الانفجار أجمل صوت سمعه وهو يصعق مبتسما. ثم قبل أن ينتقل إلى القبر أقبل عليه ملك يسأله: لم قتلت نفسك. فقال: جهادا في سبيل الله. وهل الجهاد أن تقتل نفسك وأطفالا ورجالا يشهدون أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ لم نقتلهم رغبة في قتلهم بل قتلناهم لأن المقصودين بالقتل تترسوا بهم. وأين أنت من قول الله تعالى "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" ولكن ابن تيمية أفتى بجواز قتل المسلم تترسا. وقد أفتى الظواهري وابن لادن حفظهما الله والزرقاوي جمعنا الله به في جناته بجواز قتل المسلمين. وشيوخنا في اليمن قالوا بجواز ذلك. أقول لك ماذا تفعل بقول الله تعالى وتقول لي قال ابن لادن والظواهري والزرقاوي وشيوخكم في اليمن. ألم يحذركم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ويصفهم بأنهم دعاة على أبواب جهنم. والله لو لم تقتل إلا نفسا واحدة لكانت خصمك عند الله فكيف بتلك الأنفس. ما أراك إلا كمن قال فيهم الله تعالى: " أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسنا". ولكن حقيبة المجاهد فيها. وهل أنزل الله حقيبة المجاهد أم أنزل القرآن. "خذوه فغلّوه" صرخ الجهادي من شدة العذاب، ولكن العذاب يزداد شدة والأنفس تطالبه بحق دمها المهدور. استنجد بابن لادن والظواهري والزرقاوي فقيل له "ذق بما اقترفت يمينك". حُلُم الشهادة وحور العين أصبح سرابا " ووجد الله عنده". استيقظ من نومه وهو يصرخ ويقول أعيدوني لأتوب وأقتل دعاة الضلال قاتلهم الله فقد أضلونا السبيل.