تأكيداً على حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تطبيق العدالة والمساواة والمحافظة على المال العام وثقته في استحالة نجاح خططه التنموية الطموحة قبل القضاء على الفساد فقد سبق أن وجه - حفظه الله - قبل عدة سنوات بإنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد وتفعيل أجهزة الرقابة، وفي مقدمتها هيئة الرقابة والتحقيق التي يبذل مسؤولوها جهوداً كبيرة مخلصة إلا أن التسيب الوظيفي والفساد والتجاوزات المالية والإدارية العلنية المتفشية بدرجات متفاوتة في غالبية الأجهزة الحكومية تؤكد وجود عقبات تحول أحيانا دون قيامها بواجبها وأنها بحاجة إلى دعمها لتتمكن من مضاعفة جهودها. وحين تسببت سيول الفساد في مدينة جدة بغرق العشرات وإصابة المئات وتلف الممتلكات جدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حرصه على محاربة الفساد وأكد -حفظه الله - أن هذه الفاجعة كانت نتيجة مخالفات وتقصير وأن الأمانة والمسؤولية التي عاهد الله تعالىعلى القيام بها أوجبت محاسبة المقصرين والمتهاونين ومن يثبت إخلالهم بالأمانة، وأمر -حفظه الله - بتشكيل لجنة للتحقيق برئاسة أمير منطقة مكةالمكرمة وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ومندوبين عن المباحث والاستخبارات ووزارة العدل وبدأت اللجنة مهامها فعلياً وأوقفت عدداً كبيراً من مسؤولي أمانة جدة وغيرها من الجهات المعنية في خطوة جريئة أسعدت المخلصين وسببت رعباً وصدمة بالغة للفاسدين وللمشككين في جديتها. والحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن ما سيتبين للجنة التحقيق في مدينة جدة من مخالفات وتجاوزات (وغيرها) في تنفيذ مشاريع تصريف السيول وفي تملك الأراضي والشواطئ والأودية وتحويلها إلى أحياء سكنية قد يتبين بدرجات متفاوته لأي لجنة يتم تشكيلها في كثير من مدن بلادنا الغالية التي تفتقد جميعها للبنية التحتية وتغرق طرقاتها بمياه الأمطار وتطفح بمياه المجاري واستولى المتنفذون على أراضيها ومراعيها وأوديتها وستجد السلطات الأمنية في ضيافتها ايضاً عدداً كبيراً من مسؤولي ومنسوبي الجهات المعنية في مناطق أخرى. ولهذا فإنني أناشد ملك الإصلاح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إعلان إنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد ومباشرتها فعلياً لمهامها لمراجعة ما تم إنفاقه من مليارات وما تم تنفيذه من مشاريع مختلفة في (جميع) القطاعات الحكومية وما حدث فيها من تجاوزات ومخالفات علنية مفجعة في هدر مئات المليارات من الريالات خلال العقود الماضية على مشاريع تم تنفيذها بمواصفات سيئة ومشاريع ضائعة يمكن العثور عليها بسهولة في حسابات من كانوا مؤتمنين عليها ويؤكد هذا الهدر أنه بعد سبعين عاماً من اكتشاف البترول وتصدير عشرة ملايين برميل يومياً لعشرات السنين مازال المواطن (العادي) في بلادنا الغالية يفتقد للخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية التي تتناسب مع مئات المليارات التي تم إنفاقها على هذه الخدمات (او باسمها)، وأن كثيراً من مدارسنا ومراكزنا الطبية وجهاتنا الحكومية ومواطنينا في مبان مستأجرة متهالكة، ومدننا مازالت حتى اليوم تفتقد للبنية التحتية (والعلوية) والخدمات الأساسية الحقيقية.