تعد "النظرة" أو الفرجة على الآخرين في الأماكن العامة أول ما يشد انتباه أغلب الناس، فتسر البعض وتزعج آخرين، وهناك من يعتبرها نوعاً من التجسس والتدخل في خصوصيات الغير، كما تعتبر وسيلة للتعبير عما بداخل النفوس والقلوب، فهناك عدة نظرات، منها الساخرة والحاقدة والمهزومة والمعبرة والمعجبة، كما أن للأعين لغة خاصة، تمثل وسيلة بليغة للتعبير عما يجول بخاطر الناس، فمن خلال نظراتهم تستطيع أن تستنتج ماذا يريدون وفي ماذا يفكرون..وحول هذا الموضوع التقت "الرياض" بعدد من الأخصائيين لكشف سر المعاني والأسرار التي تخبئها "النظرة".. النظرة في مجتمعنا في البداية تحدث د. ناصر بن صالح العود أستاذ الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية بجامعة الإمام، وقال: لا اعتقد أن النظرة ظاهرة ايجابية في مجتمعنا لعدة أسباب، من أهمها الحرص الشديد على الخصوصية الاجتماعية والأسرية من قبل الأفراد، وأيضا الحساسية –إن صح التعبير المفرطة – تجاه نظرات الآخرين والتعمق المبالغ لإيجاد تفسيرات لأسباب هذه النظرات، والتي يغلب عليها الفضول والرغبة الشديدة في التعرف على ما لدى الغير. وأضاف: في الحقيقة إن هذا الأمر يعتبر ظاهرة في مجتمعنا تمارس من جميع الفئات والأعمار والمستويات الاجتماعية، ويزداد الأمر بشكل ملفت في القرى والهجر نظرا لطبيعة افراد تلك المجتمعات من حيث معرفة بعضهم البعض، ويعكس هذا السلوكيات الاجتماعية التي تنتشر في المجتمعات الصغيرة على وجه العموم، حيث دائما ما تلاحظ الرغبة الشديد في الاطلاع على شؤون أفراد القرى عندما يزورون المدن الكبيرة. تثير الريبة والقلق من جانبه أكد الدكتور أحمد الحريري المعالج النفسي أن النظرة لا تعبر إلا عن الفضول وحب الاستطلاع، وهي بالتأكيد لا تدل على مستوى جيد من اللياقة الاجتماعية وحسن التعامل مع الآخرين، مشيراً إلى أن القانون البريطاني يعاقب ويحاكم على النظرات غير المبررة للآخرين، لان ذلك يعتبر انتهاكا للخصوصية وتدخلا في الشؤون الخاصة، مضيفا: وبالتأكيد لا اقصد النظرة العفوية العابرة، وإنما اقصد تلك النظرات المتأملة الفاحصة التي تدقق في كل شيء بدون مبرر منطقي أو أدبي أو أخلاقي، حتى يشعر البعض أن عيون الآخرين تلتهمه. وقال: ربما يعاني من هذه النظرات فئات معينة دون غيرها من المجتمع بالذات مثل المشاهير والفتيات بالطبع، إلى جانب الأشخاص الذين يرتدون ملابس غريبة، وقد يحدث عند مرورك بقرية أن تتوقف للصلاة في المسجد فتجد جميع من يصلي ينظر إليك والعيون تتساءل "من أنت وما الذي أتى بك إلى هنا"، وقد يعاني من هذه النظرات الأشخاص الذين بهم إعاقات أوعاهات معينة نتيجة التحديق عليهم وكأنهم دمى، مما يشعرهم بالخجل والانطواء، وقد يعيق ذلك حريتهم ويعكر صفو أنفسهم وشعورهم بالراحة، ولا ننسى أن مثل هذه النظرات تذكي شكلا آخر من التفكير الوهمي لدى الكثيرين، باعتبار أن هذه النظرات نظرات حسد وشر قد تسبب النكبة وتلقي باللعنة على من تقع عليه، حتى أن البعض يفسر أشياء تحصل له مثل المرض وسقوط الطعام بسبب نظرة الآخرين له، ولك أن تتخيل كم من الأفكار غير العقلانية التي تفسر الفشل والظروف السيئة بأنها عين لم تسم الله، بينما تلك النظرات قد لا تعدو أن تكون نظرات ساذجٍ لا يعيها أولا يقصدها. د. أحمد الحريري محاولات لفت الانتباه وأضاف: في المقابل هناك أشخاص يبحثون عمن ينظر إليهم ويتأمل فيهم ويحاولون لفت انتباه الآخرين والتعبير عن أنفسهم بطريقتهم التي قد لا تتوافق مع قيم المجتمع وعاداته، ولعل ظواهر الملابس الغريبة سواءً عند الرجال أو النساء من أبرز المحاولات غير الصحية لمحاولة لفت الأنظار، ولا غرابة حين تنشأ صرعة معينة في اللبس أو الحركة لوجود حالة تواؤم بين الشخص الذي يحاول لفت الانتباه والشخص الآخر المتأمل بنظراته في الناس، وحريٌ بنا إذاً أن نقول ان هذه النظرات غير المبررة كما هي تعد تدخلا سافرا بطريقة غير مباشرة في شؤون الآخرين، إلا أنها أيضاً تشجع المغرمين بلفت الانتباه لممارسة مزيد من السلوكيات التي لا تقل سفوراً عن تلك النظرة غير المبررة، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". د. ناصر العود تغيير العادة وحول إمكانية التقليل من آثار النظرة ومستوى تأثيرها قال د. العود ان علماء الاجتماع والنفس يرون صعوبة في تغيير السلوكيات الاجتماعية وخصوصا عندما يتطلب مواجهة تلك السلوكيات تعديل الأعراف والقيم الاجتماعية، كما يرى المختصون ان هذه السلوكيات تتغير من تلقاء نفسها حسب سرعة او بطء عملية التغيير الاجتماعي، لكن اعتقد ان إحداث التغيير الاجتماعي يمكن التحكم فيه عن طريق تفعيل التوعية بمختلف طرقها خاصة المؤسسات الاجتماعية والتربوية، واخص بالذكر المدارس ووسائل الإعلام. ومن جانبه قال د. الحريري ان النظرة غير المبررة للآخرين أو لما لديهم مسألة متوارثة من المجتمع، لذا على الأسرة أولاً توعية أبنائها بأهمية عدم التدخل في شؤون الآخرين قولاً وفعلاً ولو حتى بالنظرات، وتربيتهم على ترك الفضول غير المبرر باعتباره عادة سيئة. لغة الأعين وأكدت الشابة عبير الأحمد على أن هنالك لغة خاصة للأعين وان النظرات لا بد أن تكون معبرة ومحددة توضح ما يجول بخاطر كل إنسان، وقالت ان النظرات تضايقها في الأماكن العامة، وبالأخص اذا أتت تلك النظرات من أشخاص لا تعرفهم. وقالت الأستاذة هدى سالم السهو انه يجب على الإنسان أن يتحكم بنظراته، لأن لغة الأعين صامتة يمكنها إيصال رسالة إلى الطرف الآخر بدون قصد.وذكر جاسم السلطان أن تلك النظرات أوقعته في الكثير من المشاكل مع زوجته عند خروجهما معا في الأماكن العامة، ناصحا الجميع بان لا يتطفلوا على الآخرين بنظرات الاستغراب.وقالت بدور الخالدي: احب تبادل النظرات في الأوساط النسائية من باب الفضول والبحث عن كل ما هو جديد ومميز في الموضة، فقد أرسل نظرات إعجاب أو استهزاء بما أشاهده من أذواق، ورحم الله ابن القيم الذي قال ان الأعين مغاريف القلوب.