أحياناً تشعر أنك تعيش في مكان افتراضي لا وجود له إلا في لحظة تفكيرك تلك.تشعر أنك تستمتع بالصورة التي أمامك والأحادية النظرة. مكانك فقط،تسيطر عليه بإحساس يتفاعل مع كونه المكان المطلق. كثيراً ما توطأت مع فكرة المكان الذي تشكّله، وليس المكان الذي ترضخ للبقاء داخله متكسّلاً. يأسرك إحساسك بأنك تمتلك المكان الحلم، والزمن الخاص. وما بين ديمومة الإحساس بهذا المكان الواضح والشفاف لديك والمغلق لدى الآخر، والمحمّل برموزه، تشعر أنك أيضاً شخص افتراضي، يفترض المكان، ويسعى إلى تجزئة الزمن. إنسان اعتاد أن ينغمر بقلق وجوده، واعتاد على تغليف لحظته الفارهة بدواخله التي كثيراً ما فشل في التعامل معها بوضوح. للمكان والزمان حكايات مشتركة. كثيراً ما ارتبطت بتكوينات تحتاج إلى تفسير، وتحتاج إلى فهم معنى الإقامة في المكان، وما تتضمنه هذه الإقامة من تبعات نفسية ومعرفية، وفتح لكل سجلاتك الماضوية والقادمة. من أجل هذا الفهم الذي كثيراً ما نلمسه يتحول إلى إحساس هزلي في زمن فُرض علينا، ومكان قد نعجز عن مغادرته، ولكن من الممكن أن نتعامل معه بتجرد، وموضوعية تمنحنا الخروج منه رغم أننا نستكين عملياً داخله، من أجل كل ذلك، قد نجد أنفسنا أسْرى لذلك المكان الافتراضي الحلم. المكان المطلق الذي يمنحك حرية الاختيار. ويفتح كل الأبواب أمامك لإثارة الأسئلة. المكان الذي بإمكانك أن تكسر جموده. المكان الذي لا يتحول إلى قوة ضاغطة عليك، وخانقة لأيامك، مكان حلم تخلو ملامحه من لوم الآخرين على تقصيرهم. يحمل صفحته بيضاء دائماً: فلا كوارث إنسانية تبيد البشر، بفعل البشر أيضاً. مكان يخلو من الوحشة، والحروب التي لا توفر الإنسان دون أن يكون له ذنب، أو حتى يعرف لماذا قُتل أو أصيب. مكان لا يعرف أفراده الشر الذي يحوّل تفاصيل الحياة اليومية إلى معاناة. ولا يعرفون العنف الذي أصبح طابع الأيام على دفتر زمننا الحالي. مكان لا يهاب فيه الشريف، الجبناء واللصوص، ومن يستحقون أن يكونوا في أول الصفوف. مكان مطلق وجهه العدل الذي بإمكانه حصار الغوغائيين، والفاسدين، ومن امتطوا الزمن دون وجه حق. مكان مفتوح بإمكانك داخله أن تكوّن نفسك، وأن تحقق فرصتك التي تستحقها، دون أن تركض حتى تتوجع قدماك بحثاً عن واسطة هي في الأصل غير مستحقة ما هي عليه. مكان تنتمي إليه بالحب الذي يتحوّل إلى عدوى تشيع الفرح والتآلف، والود، داخل سور مكاني، ينتشر نوره، ويظهر جماله ليصبح نهج حياة لسكان ذلك المكان. مكان ليس به ظلم فاضح، ولا ألم دون توقف، ولا زمن ينتهي بك وأنت لا تزال تلملم آلامك. مكان ليس بإمكانك أن تدين أفراده، أو أيامه، وتحلم باستبداله لأنه افتراضي مليء بالأحلام التي فقدناها على الممر ونحن نحاول فتح أبواب الاستحقاق.