أنت كثير الحلم، لأن الحلم هذه الأيام هو الشيء الوحيد الذي من الممكن أن يُتاح لك دون ثمن. معتاد أنت تبحر به، ومعه، وداخله، لا حدود له معك تستكين داخله في العاصفة، وعندما تهدأ، وتغيب، لا يختلف احساسك به أنت معه تجد نفسك، وتمنّيها بأشياء كثيرة. مهما كانت غير قابلة للتحقق تؤمن بالنور عندما يغيب من خلال أحلامك. تسري داخلك دورتك الدموية بعد أن أوشكت على التوقف، وأنت تحتمي به. ثمة ميراث مشترك بينك وبين أحلامك. وثمة ذاكرة تدين لها بالكثير تلتقي فيها مع أحلامك. في الحلم تشعر أنك تمارس هروباً مستديماً إلى الأبد من كل الملامح التي أدمنت ظلم الآخر. وتهميشه، وعدم احترامه. من كل الوجوه التي شرعنت إلغاء الآخر، وتجاوزه، واعتباره كائناً لا يستحق أن يقول أي شيء. وليس من حقه سوى التمازج مع مفردات ما يفرض عليه، وما يملى من الآخر الذي يعتقد أنه الأصلح للتفكير، والأكثر فهما لطرح آرائه. ويحرص أن ينشر دائماً أنه المخول الوحيد بالحديث، وصياغة الماضي والواقع والمستقبل، وبناء ركائزه، لأنه امتداد لكل ما هو معلوم. وان هذا الآخر ان فكر، أو حاول سيفتح أبواب المجهول، وأن تفكيره لا يزال قاصراً لا يمت إلى الحقيقة بصلة. مثل هؤلاء لا يعتدون بتجارب الآخرين الذين حاولوا إلغاء الآخر ونشر ثقافة الرؤي الأحادية، وسطوة تضييق المسافات بين الآخرين وما آلوا إليه في النهاية. تحلم بفتح جسور من العلاقات الإنسنية والثقافية تقوم على الجدل والتحاور، وفتح منافذ جديدة لاكتشاف تجارب البشر المهمشة. تحلم بالتحرر من واقعك الخاص المليء بالقسوة، والجشع والطمع، والارتياب، والخوف، وتغييب المعاني، والقفز على الحقائق والتعايش مع مفردات الكذب. تحلم بأن تغلق كل المنافذ مع البعض، وتقيم الكثير من الحواجز والسدود وتتكيف مع ذاتك ضمن إطار يضيق، ويكفي لاستيعابك وحدك. تحلم بأن لا تلتفت إلى الوراء، وتظل باحثاً في الأمام عن أفق بعيد رغم قربه، واسع الخيال، يخرجك من سجن ثقافة الهامش وقصور الرؤية. تحلم بأن يكون كل من حولك يتشكل في عالم يتجه باستمرار إلى الأمام بوجوه تحمل روح العصر، تطل بنظرات تقدميه، قادرة على كسر جمود الداخل، وتحرير الإرادة التي أدمنت الخنوع. تحلم بخلق فرص النجاح رغم أنك لا تمتلكها، ولكن لديك قدرات بضمانات نسبية من الممكن أن تخلقها. تحلم وتحلم باحترام الوقت بحيث يبدو لدى الآخرين قضية في منتهى الأهمية حلمك يتسع لاستيعاب كثير من الأشياء. لن يتفتت الحلم طالما بقي حلماً عادلاً، ويستحق أن تمارسه في زمن يحفل بالإحباطات، والانكسارات، والثقافة المنافقة، والبحث عن تفريغ الحياة من مفهومها الحقيقي. احلم بل ستظل تحلم فالحلم كالحب يجعلنا أكثر تحضراً ويشرفنا بمعرفة أننا بشر حقيقيون لسنا محكومين بمفردات الحياة المادية.