السؤال الذي يستحق أن نبحث عن جوابه هو: هل اللعنة هي لعنة المورد Resource Curse أو أن اللعنة هي: لعنة تصرف الأنسان Man Made Curse ؟ القول بأن اللعنة هي لعنة المورد (Resource Curse) تعني وكأننا نقول إن سبب تخلف الدول المتخلفة الغنية بمواردها هو وجود هذه الموارد فيها وأنها لو لم يكن يوجد بها (أو تخلّصت من) مواردها الطبيعية فستصبح دولا متقدمة وهذا يتعارض مع مبادئ علم الاقتصاد الذي ينص على أن الأرض (أي: الموارد الطبيعية) هي أحد عناصر الإنتاج الثلاثة: الأرض والعمل ورأس المال. لقد نبّهت صدمة البترول الأولى في منتصف السبعينات العالم إلى أهمية البترول و بدأت الشركات الوطنية في الدول الغنية بالبترول تسترد من الشركات الأجنبية سيطرتها على بترولها (ومن باب إذا بعد عنك العنقود قل حامض ياعنب) تسابق بعض كتاب المناسبات في الدول المحرومة من نعمة البترول بإلصاق النعوت السيئة بالبترول وانطلقت موضة جديدة اسمها موضة إطلاق اللعنات ومن ثم راح بعض الكتاب يتفنن في إضافة الإكسسوارات إلى المصطلح الجديد واختيار العناوين الرنانة لمؤلفاتهم. آخر صرخات موضة التأليف ضد البترول كتاب الدكتور محمود أمين الجمل (استاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الرز Rice University بهيوستن تكساس). عنوان الكتاب الذي سيصدر في 31 ديسمبر 2009 هو: The Global Curse of Black Gold وفقا لمقال الدكتور الجمل في مجلة: Foreign Policy العدد (SEPT.- OCT. 2009) أن السبب الذي أدّى إلى انهيار النظام المالي العالمي ليس هو مديونية امريكا وسياستها التجارية والاقتصادية وانما السبب هو دولارات البترول التي هبطت فجأة "Unanticipated petrodollar flows" على دول الخليج (بالذات المملكة والكويت) وبدلا من انفاقها في توسعة طاقة إنتاج البترول لتلبية الطلب العالمي انفقوها على سباق التسلح (يدّعي 9 % من الناتج القومي في المملكة) وعلى مظاهر البذخ كالمساكن المجانية وضمان الدخول وإعانات الكهرباء والبنزين “free housing, guaranteed incomes, and subsidized....” ولعدم قدرتهم على امتصاص الفوائض المالية حدث تدفق عكسي لدولارات البترول “petrodollar recycling” ومن ثم انتقلت لعنة البترول من الدول البترولية إلى العالم “The resource curse has gone global”. فكرة الكتاب سطحية فهي على حد تفكير الدكتور الجمل (وفقا للمقال) تزعم أن أزمة (أو انهيار) النظام المالي العالمي سببها "ان لعنة البترول التي كان ضررها محصورا منذ منتصف السبعينات في الدول الغنية بثروة البترول انتقلت اللعنة الآن للإضرار بالجميع “Now, it is hurting everyone”. الكتاب الثالث يختلف عن الكتابين السابقين بأن مؤلفه ليس أكاديمياً في الاقتصاد ولكنه صحفي استغل عموده النصف اسبوعي في جريدة النيويورك تايمز للاستهجان بالعرب ورغم ذلك اعتادت بعض الصحف العربية (منها جريدة الشرق الأوسط) أن تترجم وتعيد نشر عموده، اسم الصحفي توماس فريدمان وعنوان الكتاب هو: ساخنة, مسطحة, ومزدحمةHot, Flat, and Crowded الكتاب يقول لقد انتهى زمن الحرب الباردة وبدأ زمن "الطاقة-المناخ"“Energy-Climate Era ويدعو الى التحول من البترول (الذي يسبب سخونة ألأرض وتحويل الثروة الى أباطرة البترول“transfer of wealth to petrodictators”) الى مصادر الطاقة النظيفة (الثورة الخضراء). توماس فريدمان يصوّر العلاقة بين الحرية Freedom وأسعار البترول علاقة سببية دايناميكية (أي عبر الزمن) سالبة (عكسية) فعندما تنخفض اسعار البترول تزداد الديمقراطية ويقل الفساد وينتعش الاقتصاد وعندما ترتفع أسعار البترول تنخفض الديمقراطية ويزداد الفساد وينكمش الاقتصاد ويسمي هذه العلاقة السببية السالبة: “The First Law of Petropolitics”. * رئيس مركز اقتصاديات البترول ( مركز غير هادف للربح)