الموارد الطبيعية سواء الناضبة (كالبترول والغٍاز والمعادن) أو المتجددة (كالغابات ولأسماك والأراضي الخصبة) هبة من الله الى الناس. كما أن الموارد الطبيعية في علم الاقتصاد عنصر من عناصر الإنتاج يؤدي توفرها في بلد ما الى نموه وتقدمه الاقتصادي. لاشك اذاً أن الموارد الطبيعية في الأصل خير ونعمة خلقها الله لسعادة الإنسان ورفاهيته ولا يمكن أن تكون في حد ذاتها شرا أو سببا في تعاسته أو أن يكون وجودها في دولة ما هو السبب في تخلف اقتصادها. لكن في الآونة الأخيرة (منذ منتصف الثمانينيات) بدأ بعض عشاق الخرافات والأساطير متأثرين بأسماء أفلام اللعنات التي كانت سائدة حينذاك في هوليوود (كلعنة الفراعنة ولعنة برمودا ولعنة السوبرمان) يطلقون على الموارد الطبيعية أسماء مستعارة من أسماء هذه الأفلام الخزعبلية فأصبحوا يسمون الموارد الطبيعية: Devil's Excrement(أي: مخلفات الشيطان) وأنها كالموميات الفرعونية تصيب الذين يعتدون على مضاجعها (أومكامنها) بلعنة تسمى: Resource Curse (أي: لعنة المورد). لقد ذهب الخيال - في فترة السبعينيات - ببعض المنظّرون (الدخلاء على علم الاقتصاد) بعيدا الى الحد الذي جعلهم يقولون إن دول اوبك أصابتها لعنة البترول ففقدت رشدها ولا تنطبق عليها القوانين الاقتصادية (لأن الاقتصاد هو علم رشيد) ولذا يجب وضع الوصاية الدولية عليها. الحقيقة التي لم يفطن لها أحد هي أن البنك الدولي هو أوّل من روّج - ربما عن غير قصد- لهذه اللعنات وجعل منها سوقا رائجة لمؤلفي كتب (كما سنوضح في عمود الأسبوع القادم) ومقالات الأساطير عندما أخذ البنك الدولي يشير في تقاريره الى أن معدلات النمو في الدول النامية التي تفتقر الى وجود موارد طبيعية أعلى من معدلات النمو في الدول (بالذات اوبك والأفريقية الغنية بالذهب والألماس) التي تتوفر فيها موارد طبيعية. الذي يبدو لي أن الغرض الأساسي للبنك الدّولي من اعلان هذه النتائج والتركيز عليها هو اظهار مدى نجاح تدخله في مساعدة الدول الفقيرة بمواردها التي يقدم لها القروض والمعونات من أجل اقناع الدول المانحة بجدوى اعماله (بعد أن أخذ البعض ينتقدون البنك) وكذلك حث الدول الغنية بمواردها التي لم تحتاج لقروض ومعونات البنك (وبالتالي لم تسمح بتدخله) على أن تطلب مساعدته لها وتقديم خدماته الاستشارية لقاء مبالغ كبيرة لأنها (وفقا لتقارير البنك) لم ولن تقدر - من غير تدخله - أن تحقّق معدلات نمو تساوي معدلات نمو الدول التي تسمح للبنك بالتدخل في اقتصادياتها. هذه الظاهرة (انخفاض معدلات النمو في دول البترول وارتفاعها في الدول الأخرى) جعلت بعض المهتمين بالتنمية يتساءلون عن الأسباب التي أدّت الى عكس ماهو متوقع فحققت الدول الفقيرة في مواردها معدلات نمو في اقتصادها اكبر مما حققته الدول الغنية بالبترول. ولكن في البداية للأسف بدلا من محاولة البحث عن الأسباب الحقيقية أسرع بعض المنظّرين بإطلاق بعض العبارات التي تلصق التهمة بالمورد وليس بسوء تصرف الإنسان الناتج عن عدم خبرته بالتعامل مع ثروات نزلت عليه فجأة بعد فقر مدقع فاعتقد أن المورد سيبقى الى الأبد وجعلته يسيء التصرف. لقد بدأ البعض - أخيرا - يطالب بتصحيح المفاهيم ويقول: ان اللعنة ليست لعنة المورد وانما لعنة الجهل وعدم الخبرة لدى سكان الدول التي حباها الله بهذه الموارد ويستشهدون بأمريكا كيف ادى اكتشاف البترول فيها الى أن يجعلها أقوى اقتصاد في العالم وكيف تكررت نفس التجربة في النرويج حيث إنها لم تصبها لعنة البترول. وكذلك كيف أدى وجود الفحم الى الثورة الصناعية في اوربا. الأسبوع القادم - ان شاء الله - سنتحدث عن الخلط (أو عدم التفريق) بين السبب cause والنتيجة effect الذي يقع فيه بعض الكتّاب وبالتالي تنساق وراءهم وسائل الإعلام وتختلط المفاهيم.