تتردد كلمة الحياة كثيراً في شعره، حتى يمكن أن يكوّن ذلك قاموساً صغيراً لحب الحياة عند ذلك الشاعر ... كان نحيف الجسم، مديد القامة، قوي البديهة، حاد الذهن، سريع الانفعال. ومع ذلك فقد كان رقيق الطبع، بشوشاً، وديعاً، كريماً، محباً للأدب والثقافة. ولد في بلدة الشابية بتونس في مارس عام 1909م وبها كانت وفاته يوم 9 أكتوبر 1934م في حياة قصيرة سريعة الإيقاع، لا تتعدى خمسة وعشرين ربيعاً. تثقف ثقافة عربية واسعة، وألمَّ بأطراف من الثقافة الأدبية الغربية عن طريق الترجمات، وكذلك عن طريق الأدباء العرب في مصر، وفي المهجر، وفي تونس نفسها، وهكذا تكونت له رؤية أدبية وفكرية جيدة. كان لوالده تأثير كبير عليه، وعندما مات خلّف له لوعة جارفة وأسى لاذعا. لكن تلك اللوعة وهذا الأسى كانا من نوع مختلف، لأنه كان عاجزاً عن التعبير عما يضطرم في نفسه ووجدانه. لكنه بعد خمس سنوات من وفاة والده يقبل على الحياة فيقول : ما كنت أحسب بعد موتك يا أبي ومشاعري عمياء بالأحزان أني سأظمأ للحياة وأحتسى من كأسها المتوهج النشوان وأعود للدنيا بقلب خافق للحب والأفراح والألحان حتى تحركت السنون وأقبلت فتن الحياة بسحرها الفتان فإذا أنا طفل الحياة المنتشي شوقاً إلى الأضواء والألوان هكذا كان طفل الحياة وشاعرها : أبو القاسم الشابي مقبلاً على الحياة، لكن ذلك لم يكن يعني أن ظاهرة الموت بكل ما فيها من قسوة قد توارت عن قلبه، بل كان دائم الإحساس بظاهرة الموت التي لازمته في جميع أطوار حياته ووجوده. ولعل أجمل وأكثر قصائده التصاقاً بذاكرة الناس قصيدة إرادة الحياة التي يبلغ عدد أبياتها 63 بيتاً والتي نشرت في 26 جمادى الأولى 1352ه الموافق 16 سبتمبر 1933م، وأقتطف منها الأبيات التالية التي تعبر عن إرادة الحياة : إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليِّل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ******* ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وأطرقت، أصغي لقصف الرعود وعزف الرياح، ووقع المطر ******* وأُعلِنُ في الكون: أن الطموح لهيبُ الحياةِ، وروح الظفر إذا طمحتْ للحياة النفوسُ فلابد أن يستجيب القدر !