تحترق وتحرر من يصطلي تحت رق أيها الميت الحي: ما أجملك، يا ملك البوعزيزي (1984-2011): الميت الحي، انتزع الحرية علم أم لم يعلم وأهداها لشعبه، باعثا أملا بالنيران التي أحرقت جسده يمتد إلى شعوب أخرى، أكل عزتها العوز واليأس الذي ينخر في حيل شبابها أن الشمس لا تشرق إلا على ديدن الحاجة، لمعاش يومي يجر الشعوب كقطيع بالكاد يقضي في مرعاه جوع يومه. هل سمع «البوعزيزي» يوما بالمفكر «عبدالله القصيمي»؟ حتى راح يعارض نظريته الشهيرة «العرب ظاهرة صوتية»، النظرية الجاثمة واقعا في سلوكنا، وما كان مخطئا عبدالله حاشا لله حتى فعل التونسي الحر فعلته التي هزت وغيرت ما لم تقدر عليه جحافل الأمريكان فوق تراب العراق وأفغانستان. ** مذ ربيع تونس، مصر وليبيا، والكتاب يتذكرون والحق معهم قصيدة الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي 1909-1934: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر قابلت أصدقاء تونسيين، مجدت اسم الشهداء خلودا، باركت حرية تونس، تلا أحدهم بيتا من قصيدة الشابي (ألا أيها الظالم): رويدك لا يخدعنك الربيع وصحو الفضاء، وضوء الصباح ففز بخاطري نهاية القصيدة: سيجرفك السيل، سيل الدماء ويأكلك العاصف المشتعل همت في الرؤية، يا لقدرات الشعر، تحققت في بلاده، كما وصفها قبل ثمانين سنة. وتلوت في روحي بيت طرفة: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأنباء من لم يزود وانتصارا للشعر، للشعراء، للبوعزيزي، لتونس، أضع الواقعية العقلانية جانبا وقليلا، وأمضي في شطحات من الوجد تلهمني القوة أن أرى «الطيب البوعزيزي» هو المقصود والمنعوت ب «العاصف المشتعل» في قصيدة الشابي، أي واقع مسحور وقع فوق تونس ومصر وليبيا. ** (سيجرفك): وهذه سين الرؤية، سين المستقبل، والفعل المضارع حل تماما كما دلالة الكلمة؛ هل فر طائعا برغبته، أم فر مجروفا؟ جرفه سيل الدماء التي استباحها من دماء شعبه. من هو «العاصف المشتعل»، وما دلالة فعل «يأكلك»؟ هكذا يتجلى للشعر أن يرى نهاية الظالم، وأن يرى الشاعر الشابي حفيده يحرق نفسه (المشتعل) ليكون (العاصف الفادي) وها إن المستبد قد جرفه السيل وهو يتآكل في سلطانه ونفوذه، بل وصحته أيضا. هكذا نرى الشاعر لم يستخدم فعل (يقتلك) وهو الأقرب لروح القصيدة شعرا ومعنى، بل يستخدم لفظة (يأكلك) وما أبعدها عن الشاعرية إلا أنها النبوءة الخاصة بتونس، وقد لا تنجلي دلالاتها حتى يتم إسقاطها (وبالقوة أيضا) على ما حل بالمستبد التونسي سنة 2011. البوعزيزي (العاصف المشتعل)، وفي رواية أخرى هو الشعب التونسي، والمصري، والليبي. يا لرؤى الشعراء، يالشطحاتهم، يا لحرية الشعوب.