لست أنا المتحدث ولست " أنت " المعني بتوجيه الخطاب في هذا العنوان، ولكنها " حتى " كفاني وكفاكم الله شرها وضرها. لم تصادفني لفترة طويلة هذه ال " حتى " إلا في سياق من التضئيل، وأذكر الفنان أحمد مظهر، الباشا الذي زجت به الأيام الى حضيض العيش في فيلم " الأيدي الناعمة " وقد وجد أهم الأسباب لازدراء " صلاح ذو الفقار " ليس لأنه من طبقة فقيرة ومضيعة وانما لأنه عندما أراد أن يحفظ توازنه في مواجهة الباشا أخبره أنه حاصل على الدكتوراه. سأله مظهر: في أي موضوع؟ وأجابه الدكتور " في حتى " ! . هكذا ظلت " حتى" عنصر السخرية والتضئيل طوال الفيلم، فلم يكن الباشا يناديه إلا ساخرا " انت يا بتاع حتى " يقول العامة، وغير العامة، " حتى " الفقراء بقى لهم صوت، ويقولون حتى الجدران نطقت الى آخر ما نسمعه كل يوم عن هذه ال " حتى "، أداة التضئيل والتعجب، وكثيرون هم الدارسون والباحثون الذين وضعوا أبحاثهم في مئات الصفحات عن " حتى " ثم قالوا حين فرغوا : " أموت وفي نفسي شيء من حتى " . وربما يلخص هذا الموقف سؤال صديق لآخر أخبره أنه قد أنجز أو أجهز على كل شيء، فيقول متسائلا: " حتى حتى " ويرد " حتى حتى "، وكثيرون يقولون في مواقف العوز " لا أجد حتى فلساً " الذي ربما هو " الفقر " جرجرتني " حتى " بعيدا عن " حتى " التي طالما أوجعتني وطالما رددتها من موقف الى آخر.. " حتى " الدهشة على صداقة تفزعها الخيانة فلا يجد المغدور الا ما يخرج كل ما بداخله الا في كلمتين اثنتين : " حتى أنت ! ، أشهرها ربما ما صاح به قيصر روما في مجلس الشيوخ عندما أحاط به كل الذين غدروا به وغرسوا أسلحتهم في جسده ورأى بينهم واحداً من أعز أصدقائه وأحبابه هو " بروتس " . كل ما قاله القيصر: " حتى أنت يا بروتس ؟! كم هي موجعة كوجع الموت رائحة خيانة الصديق أو الحبيب، " اللهم اكفني شر الصديق، أما أعدائي فأنا كفيل بهم" ، وجع أشد ايلاما من كنه الوجع، حد أن فيلسوفا مثل "شيشرو" جلس على كرسيه، ووضع أمامه اناءً يصفي فيه دمه بعد أن قطع شريانا في يده، وراح يكتب رسالته الشهيرة " عن الصداقة " إن أوجعت . هذه ال " حتى أنت " المحملة بكل أوجاع الدنيا، والنازفة بكل دمي، والحارقة بنار القلب، هي ألد أعدائي وأكثرهم قسوة لأنها بلا ضمير، لأنها طالعة من صديق أو عزيز راقته الخيانة، تكبر هذه ال " حتى " وتملأ كل الفضاءات ، بحجم اكبر من حجم الكون ، مع انسان لا يبحث إلا عن صالحه، يخون الوطن بحجة رعايته في العمل او الضمير او السلوك ليس هنا وإنما في أي رقعة من أرض الدنيا، وانظر حولك بأي اتجاه سترى من تقول له : " حتى أنت ...! "