عندما تخط أصابع القدم أمام أثرها فإنها لا تخط على الأرض معنى الخطى الهزيلة بل انها تخط جملة المصير الأخير نحو ذلك المجهول الذي زاد من عناء الطريق الصعب في صحراء التيه وعندما تتضح الحقيقة لتلك العيون والجفون العاجزة عن فك الرموز أو الإيماء بها خوفاً من رؤية الواقع وشدة ضوء الحقيقة والمحملة بذرات من حصا جفوة الأيام وقسوة البشر نحو بني جنسهم ورغم هول الموقف وازدراء الحال واتضاح الصورة للمتأمل إلا أن العيون تشطح عالياً حتى لا ترى من يسير على تلك الرمال والتي هي الأخرى رقت لهذه الحال فلانت تحت هذه الأقدام لعلها تجسد سنة في هذه النفس المتعبة رغم جموديتها والمكان أيضاً بعناصر ضج بدوي كسر صمت الفضاء وسارت مواكب الجنازة الشجر بدون ورق ورمال العاصفة وبقايا أموات هم من يشيعون ذلك الجسد والذي يحمل معه بقايا إنسان كان يحلم بقطرات من ندى الشفقة والود بالأمل والتحري لطلوع شمس ترسل خيوطها على ذلك الجسد لتوقظ العروق وتسخن الشريان وينبض الوريد معلناً بدء الحياة في ذلك المهموم وفجأة يبتعد موكب الجنازة يلقى بها على رمال الصحراء لقد شعر الجميع بهذا النبض وتنزاح تلك الصورة المعتمة وتتعالى صيحات تتصادم أصداؤها في رؤوس الشواهق ونايف المكان وتتجاذب أجزاء ذلك الجسد الكل يحمل الآخر يدفعه بذلك النبض حتى لا يموت ويذوب في هذا المكان المروع يقول احمد المروحي: مشيت بآخر روح والجرح فيني بين الدروب وبين موت اختياري أجفون فكري والمشاعر نبيني ترفض يموت القلب والجرح عاري وبعد أن يرى آخر سواداً في الأفق لآخر ذلك الركب الذي ترجل سريعاً ليبعد عن ذلك المروع الذي نبض وريده رغم وجوده على نعش الجنازة بعض أفراد المترجلين لم يكفه المسير نحو الأفق أخذ يلتفت بين الفينة والأخرى نحو ذلك المشبوح وعندما يحس بوحدة المكان وشبح الظلام يعاوده شعور الخوف بأن كل ما حوله يلفظ أنفاسه حتى الليل شهق ولفظ مع مجرى سواده ظلام: لاحتضر تالى الليل وشهق لافظ مع آخر أنفاسه ظلام وسال دمه في المدى وأصبح شنق شيعه دمعي وكفنه الغمام وتتوالي مواكب أخرى تحمل صنوفاً أخرى من القسوة وقبل أن نصل إلى المكان يسبقها صمت يحمل عنوان الموت وكأن ذلك مرسول العيسى القادمة يقول جميل الحربي: بكيت العمر كل العمر أنادي يا زمن ظميان حياتي كلها صفحة بصفحة فيك منسيه ونودع المكان على آخر أنين تعانق مع حفيف الرياح لقد انتهى كل شيء وبقيت ذكريات جميلة في زمن القسوة يقول فهد متعب: لك الله يا زمن تقسى أقوم بخطوتي وأطيح ولا ألقى سوى رجع الصدى والريح تتنهد