في يوم الجمعة 28/6 / 1934م غادر الرحالة الانجليزي ( جيرالد دو غوري ) مدينة جدة بواسطة سيارة موديل (33) عبر طريق صحراوي إلى العاصمة الرياض التي اشترطت عليه ارتداء الثوب العربي والعقال ومرافقته لعدد من رجالها في رحلة أقرب إلى المغامرة استحقت وداعا تشجيعيا واحتفاليا من القنصل البريطاني وزوجته ونائبة وسكرتير المفوضية البريطانية الذين ماكان بوسعهم الخروج من جدة لأكثر من ثلاثة اميال فقط دون الحصول على إذن خاص واستطاع قطع المسافة بين المدينتين في ستة ايام فقط مما يعد انجازا غير مسبوق وصف من خلالها رحلته ووصوله العاصمة الرياض نستعرضها من خلال حلقتين وهنا لابد من التنويه إلى ان الرحالة وقع في العديد من الاخطاء التاريخية الوخيمة في بعض المسميات وبعض الاحداث حاولنا تصحيح ما استطعنا عليه ومن هذه الاخطاء إيراده حكاية النمل الذي غزا العيينة والذي عاد وقال انه جيش كالنمل فالحقيقة التاريخية المعروفة والموثقة ان العيينة اخليت بسبب زحفة ( الدبا ) صغار الجراد الذي تساقط في آبار المياه والتهم الاشجار وسقوف المنازل الخشبية التي تساقطت على مافيها ..هنا يقول غوري : اتبعنا الطريق في قعر الوادي ومن ثم إلى السهول الخضراء في وادي فاطمة ونصبنا الخيام هناك في التاسعة مساء ، ثم انطلقنا باكرا في اليوم التالي إلى بئر ( جراح ) المبني من الحجارة وهي البئر التي ترسل منها المياه إلى الملك حين يكون في مكةالمكرمة ، إن العرب قوم يتذوقون المياه ويحرصون عليها كما نحرص نحن على أشعة الشمس النادرة، جلسنا نستريح ، فيما راحت قطعان الماشية ترعى ، وتحلق حولنا بعض الصبية يقلدون آباءهم في أداء التحية ، ثم يطرحون الاسئلة علينا . وقد طلب مني أحدهم وهو أصغرهم وفي السادسة من العمر، قميصا قائلا ان قميصه قد اهترأت. واعتذرت انني لا احمل قمصانا صغيرة على قياسه . فابتسم كمن تفهم الامر وأكمل لهوه . ثم أكملنا طريقنا حتى قلعة زايمه حيث امتلأت تلك البقعة بأشجار الحمر وبالموز والشعير والذرة . وكانت التلال المجاورة حمراء بلون النحاس المحترق ، وفي الضحى وصلنا إلى سايل ، وهي قرية بيوتها مبنية من الحجارة ، استقبلنا أهلها بذبح نعجة تكريما لنا . وقد أمضيت استراحتي في كوخ صغير بينما راح الحرس يرسلون شخيرا خفيفاً . وقد ظن أهالي ((سايل)) أنني دمشقي ، وهو أقصى نوع من الغرباء قد عرفوه ، امضينا تلك الليلة في قلعة الملك عبد العزيز ، وفي اليوم التالي أخذت الطريق تسوء أكثر فأكثر بعد الدفينة ، حيث كان كثيرون من قبائل عتيبة يعرضون علينا الضيافة وهكذا اكملنا الطريق عبر بساتين السدر حتى عفيف وأخيرا حتى القعية ( بالتأكيد المقصود هنا القويعية ) التي وصلناها في الثالثة بعد الظهر ، فقررنا الاستراحة بعد أن تعبنا أيما تعب من الهبوط والصعود فوق المطبات . يقول لي صالح رئيس المرافقين بطريقته البدوية ( انني لا أحب ركوب السيارة وافضل عليها الجمل ) . ثم مرت بنا جماعة من الرعيان فحيتنا من بعيد وسألنا أحدهم ان كنا نريد نعجة حية أو ذبيحة ، فقلنا لا هذه ولا تلك . فحمل الينا بدلا من ذلك شيئا من حليب النوق ! في اليوم التالي لاح لنا من بعيد جبل طويق الذي يعتبر العمود الفقري لنجد ، والى الشمال لاحت لنا كثبان الرمل تلمع مثل الذهب مع خيوط الشمس الاولى . واذ نقترب من آبار عين المعمر والعونيا ( لعله كان يقصد العيينة ) يخبرني صالح أن قرية المعمر قد أخليت قبل مئة سنة حين هاجمها النمل لكن الحقيقة ان القرية قد دخلت حربا قيل ان مهاجميها كانوا أكثر من النمل انه الثاني من تموز والحر رهيب وأروح أشرب المياه باستمرار وحليب النوق الذي يقدمه البدو لنا . ان الحر والوهج يبعثان الجفاف في الشفاه والحمرة في العيون فأداوي الاولى بالدهن والثانية بالكحل كما يفعل البدو وقبل الرياض بعشرة اميال نتوقف لكي أغير ثيابي بعد خمس ليالي من السفر المتعب وقد سبقنا صالح لكي يبلغ عن وصولنا الوشيك . لدى اقترابنا من الاسوار ترجلت واتجهت إلى احدى الخيم وخلال دقائق وصل سكرتير الملك الخاص يوسف الباسين ، وهو من طرابلس في المشرق (!!) لكي يأخذني إلى منزله قرب البوابة الشرقية . ( يتبع ) المصدر: قافلة الحبر