تراجعت حدة الضغوط التضخمية في المملكة إلى الحدود الدنيا وتحولت إلى الانكماش بعد انخفض معدل التضخم إلى نحو 4 % في أغسطس الماضي ، وسط توقعات اقتصادية بهبوط هذا المعدل إلى مادون 3 % خلال الثلاثة أشهر المقبلة . وتتطابق توقعات المراقبين الاقتصاديين مع ترجيحات مؤسسة النقد العربي السعودي،التي ترى أن التضخم سيواصل تراجعه خلال الفترة المتبقية من العام الجاري ، نتيجة ارتفاع المعروض من الوحدات الإسكانية وانخفاض أسعار المواد الغذائية. وتواجه أرقام معدلات التضخم في المملكة ومؤشراته الحالية والمستقبلية، جدلاً ولغطاً واسعاً في أوساط المستهلكين الذين أصبحوا لا يعيرون هذه المعدلات أي اهتمام على اعتبار أن انخفاضها لم يؤثر كثيراً على أسعار المواد الغذائية وإيجارات المساكن، وإن كانت بعض أسعار المستهلكين قد شهدت هبوطاً نسبياً ومحدوداً، كما أن العديد من السعوديين لا يشعرون بأن تكلفة المعيشة انخفضت إلى المستويات المقبولة بالرغم من وصول معدل التضخم إلى هذه المستويات . غير أن مراقبين اقتصاديين تحدثت معهم "الرياض" عبر الهاتف ، شددوا على أن تراجع معدل التضخم من 11,1% في يوليو 2008م إلى 4,1% في شهر أغسطس الماضي ، لا يعني انخفاض المستوى العام للأسعار بل يعني انخفاض وتيرة الزيادة في الأسعار فقط. وقال المستشار الاقتصادي فادي العجاجي :" هذا يعني أن الأسعار كانت ترتفع بنسبة 11,1% في منتصف عام 2008م، والآن الأسعار لا تزال ترتفع ولكن بنسبة أقل وهي 4,1%. وتوقع العجاجي تراجع معدل التضخم إلى مادون 3% في غضون 3 أشهر من الآن، لافتاً إلى أن المستهلك لن يلمس انخفاض المستوى العام للأسعار حتى نرى معدلات التضخم السالبة. واعتبر إن التأثيرات الموسمية على معدل التضخم العام ستكون أقل في الموسم الحالي، مشيرا إلى أن معدل التضخم لمجموعة الأطعمة والمشروبات قد شهد انخفاضات مستمرة خلال الثلاثة أشهر الماضية من 2,7% في شهر مايو إلى 1,7% في شهر يونيو ، ثم 1,0% في شهري يوليو وأغسطس. وذكر العجاجي،أن معدل التضخم هو معدل التغير السنوي في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة الذي تحسبه مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، موضحاً أن أحدث البيانات المنشورة لمعدل التضخم هي بيانات شهر أغسطس الماضي الذي يغطي فترة نهاية شهر شعبان وبداية شهر رمضان وهي فترة الارتفاعات الموسمية التي عادة ما تسجل فيها مجموعة الأطعمة والمشروبات معدل تضخم أعلى من معدل التضخم العام . وبينّ أن مجموعة الاطعمه والمشروبات قد سجلت في الموسم الحالي معدل تضخم أقل من معدل التضخم العام وهي المرة الأولى منذ أكثر من خمسة أعوام . يذكر أن معدل التضخم السنوي في المملكة تراجع إلى 4.1 في المائة في آب (أغسطس) الماضي بعد أن بلغ 4.2 في المائة في تموز (يوليو) ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلى تباطؤ وتيرة ارتفاع إيجارات المساكن. وتراجعت نسبة الزيادة السنوية في المؤشر القياسي لمجموعة الترميم والإيجار والوقود والمياه من 13.5 في المائة في تموز (يوليو) إلى 13.1 في المائة في آب (أغسطس) ، وبلغت نسبة الزيادة السنوية لمؤشر مجموعة الأطعمة والمشروبات 1 في المائة في آب (أغسطس) دون تغيير عن يوليو. أمام ذلك ، قال الدكتور توفيق السويلم المدير التنفيذي في دار الخليج للأبحاث والدراسات الاقتصادية :" أن مستوى التضخم المرتفع هو تأجيج أسعار المواد الغذائية والألبسة إضافة إلى إيجارات المساكن ، الأمر الذي خلق عبئاً على العديد من الأسر والأفراد خاصة من ذوي الدخل المنخفض".. وأضاف:" الضغوط التضخمية مربوطة بعوامل خارجية ومحلية والأخيرة قد تكون العامل الأقوى ، حيث نشهد رغم الأزمة العالمية التي عصفت في الكثير من الاقتصاديات طفرة في الطلب المحلي، مشيراً إلى أن التضخم يمثل تحديا مهما في أنحاء منطقة الخليج بشكل عام وفي السعودية بشكل خاص، وهو أيضاً يشغل حيزاً كبيراً من تفكير راسمي السياسات المالية والنقدية على حدّ قوله ". واعتبر الدكتور السويلم ، أن المستهلكين في النهاية يتطلعون إلى الحصول على أسعار منطقية للمستلزمات الحياتية اليومية مثل أسعار المواد الغذائية والملابس، دون النظر في أي معدلات للتضخم قد يصعب تفسيرها إلا على المتخصصين والمراقبين الاقتصاديين . ووصف الدكتور السويلم الفترة المقبلة ب "الحاسمة" في قضية معدلات التضخم التي أرقت المستهلكين خلال العامين الماضيين ، إلا أنه شددّ على أن زيادة الانفاق الاستهلاكي كما يحدث حالياً قبل عطلة عيد الفطر قد يترك الفرصة أمام مجموعة من الجشعين لاستغلال المواطنين ورفع أسعار بعض المنتجات ، الأمر الذي يتطلب أن يكون فيه المستهلك على درجة من الوعي تحميه من أي تلاعبات في الأسعار ، خاصة وأن وزارة التجارة والصناعة خصصت هاتفاً مجانياً للإبلاغ عن أي حالات مشابهه لهذا النوع. في المقابل ، رأى الدكتور عبدالله الحربي أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ، أن ربط الريال السعودي بالدولار الأميركي يقيد جهود السيطرة على التضخم ، حيث إنه يرغمها على اقتفاء أثر أسعار الفائدة الأميركية ويرفع من تكلفة الواردات، مشيراً إلى أن معدلات التضخم المرتفعة تعود أيضاً إلى ارتفاع الطلب العام الناتج عن زيادة الإنفاق الحكومي وزيادة معدلات انفاق القطاع السكاني. وقال :" إذا كان هناك ارتفاع في الطلب ونقص في المعروض فإن الضغوط التضخمية لن تشهد انحسارا كبيراً ، إلا أنه قال إنه لا يمكن الجزم بما سيحدث خاصة مع الأزمة المالية التي تعصف بالعالم، مشدداً على أن تراجع معدلات التضخم إلى المعدلات الطبيعية مشروط بنجاح الجهات الحكومية في تطبيق حزمة من السياسات الاقتصادية المخصصة لهذا الغرض، وتشديد الرقابة الحكومية على الأسواق لمنع أي محاولات لرفع الأسعار دون مبرر.