أكبر مشكلة عانى منها منتخبنا الوطني منذ ما يقرب من عقد كامل وحتى اليوم، هي مشكلة الهوية الضائعة، التي أفقدت (الأخضر) سمته الأميز، التي كان يعرف بها على مستوى القارة الآسيوية والمنطقة العربية، فقبل ذلك كان (الأخضر) أنموذجا ماثلاً في صياغة الهوية الفنية لأي فريق، مهما تغير المدربون، أو تبدل اللاعبون. أتذكر –جيدا- أن التلفزيون المصري عقد في العام 2000، ندوة رياضية شارك فيها مدربون مصريون وأجانب، كان من بينهم مدرب الزمالك آنذاك الألماني أوتو فيستر، الذي درب منتخبنا مرتين بين عامي 1997و 1998، وكانت الندوة تناقش أسباب تقهقر مستوى المنتخب المصري وتردي نتائجه، وبعد مناقشة مطولة أوجز (فيستر) مشكلة المنتخب المصري في غياب الهوية، وحتى يقرب فكرته ضرب المثل بالمنتخب السعودي، حيث شبهه بمنتخبات عالمية كالبرازيل والأرجنتين وفرنسا، ذاهباً إلى أبعد من ذلك، حينما قال بأن أكثر ما يميز المنتخب السعودي هو هويته داخل الملعب، لو أن لاعبيه ارتدوا قمصاناً حمراء أو زرقاء، بدلا عن قمصانهم الخضراء والبيضاء. ميزة الهوية افتقدها (الأخضر) ليس بسبب كثرة تغييره للمدربين، فالتغيير هو ديدنه منذ السبعينيات، ففي ذلك العقد كان يتعاقد مع مدرب في كل عام، وزادت شراهته في تغيير المدربين في عقد الثمانينيات، لدرجة أن ثلاثة مدربين تعاقبوا عليه في عام واحد، هو العام 1988، حيث دربه البرازيلي جانيتي، ثم الأرغوياني عمر أبو راس، ثم البرازيلي كارلوس ألبرتو ، ورغم ذلك فإن غالبية المتابعين للمنتخب يكادون يجمعون بأن هذا العام يعد من أميز الأعوام الكروية للمنتخب السعودي، وفيه حقق كأس آسيا في قطر، إذ لم تتسبب عملية تغير المدربين في فقدانه لهويته طوال ذلك العقد؛ لأن المدرسة البرازيلية كانت هي المستحوذة عليه. المشكلة الكبرى لمنتخبنا -من وجهة نظري- لا تتمثل في تغيير المدربين، وإن كانت بحد ذاتها مشكلة، لكنها تتمثل في تغيير المدارس الفنية، بحيث تبدو متنافرة بين بعضها بشكل تام، ولو تتبعنا مدربي المنتخب ومدارسهم، منذ كأس العالم 1998 وحتى اليوم، سنجد حجم التباين، ففي ذلك العام قاد المنتخب البرازيلي كارلوس البرتو، ثم تسلم الراية الألماني أوتو فستر، ثم الصربي سلوبدان سانتراش، ثم الهولندي فاندرليم، ثم الأرجنتيني كالديرون، فالبرازيليان باكيتا وآنجوس، ثم البرتغالي بيسيرو، وبين أولئك المدربين مرَّ على المنتخب في غير محطة ناصر الجوهر، الذي أطال المكوث في بعضها. معنى ذلك أن ثمة مدارس متعددة، بل ومتنافرة تعاقبت على المنتخب خلال هذه الحقبة، بدءا من المدرسة البرازيلية، مرورا بالمدرسة الألمانية، ثم اليوغسلافية، فالهولندية، فالأرجنتينية، ومنها عاد المنتخب إلى البرازيلية، ليقفز منها إلى المدرسة البرتغالية، فضلاً عن مدرسة ناصر الجوهر(!)، وهو تنافر كافٍ لأن يضيع هوية أي منتخب مهما بلغت قوته، وتميز نجومه. ويبقى السؤال: لماذا عادت هوية المنتخب المصري، في الوقت الذي ضاعت فيه هوية المنتخب السعودي؟.. الجواب لديكم!