فرحة العيد هي الجملة التي قد تحتاج ربما إلى وقت طويل لتترجم على أرض واقع أسرة (أبوسعد)، وقد يكون هناك أشخاص لا يعرفون معنى فرحة العيد وبهجته، ولكن في الغالب أن للعيد بهجة وفرحة وحالة تغيّر خاصة في نفوس المسلمين، ولكن ما حصل لأسرة أبي سعد يجعلهم يحتاجون فترة طويلة جداً ليشعروا بها، فالحزن والألم يظلان في القلوب لموقف ما.. حتى يتلاشيا شيئاً فشيئا مع نعمة النسيان، وقصتنا اليوم فيها من الألم والوجع ما فيها، فمن الصعب تقبل الألم والحزن، ولكن الأصعب من ذلك أن تكون ولادة الألم ناتجة من رحم الفرحة. عائلة أبي سعد أسرة بسيطة.. مكونة من والدين وثلاث بنات، تكون قلوبها وعقولها متلهفة للولد.. ليس تمييزاً بين الذكر والأنثى، ولكن لشيء في نفس البشر، وحبهم لتنوع مواليدهم، فحتى لو كان جميع الأبناء ذكوراً، فالنفس تشتاق للبنت بين هؤلاء الذكور، وكم كانت الفرحة كبيرة عندما أتى الولد بعد ثلاث بنات، فجميع الأسرة لم تسعهم هذه الفرحة، بدءاً من الأب إلى أصغر البنات، ومع مرور الأيام كان الجميع مهتماً بهذا الضيف البريء، كل من في المنزل يحاول أن يحصل على فرصته في مداعبة هذا الطفل، مرت الأيام والشهور حتى بدأ هذا الطفل بالوقوف وبالحركة البسيطة، مرة يمشي خطوة ومرة خطوتين ويقع، وكانت أخواته حوله يهتفن له بفرحة: " تاتا .. تاتا " محاولة في استدراجه للسير والحركة، بدأ الطفل بالحركة، وكان أكثر شغباً في طفولته من أخواته البنات، وفي أول أيام العيد وبعد أن أدى الوالدان صلاة العيد، نادت الأم بناتها وطلبت منهن الاستحمام بمساعدة الخادمة حتى تلبسهن ملابس العيد، ويذهبون لزيارة أقاربهم، وبعد أن استحمت البنات الثلاث، طلبت الأم من الخادمة أن تجلب لها حوضاً فارغاً وإناء كبيراً وتملأه بالماء لعمل حمام للطفل سعد، وعندما أحضرت الخادمة ما طلبته منها الأم، أرادت وضع الطفل في الحوض لتبدأ بعملية تنظيفه إلا أن صراخ أحدى البنات، وبحثها عن فستان العيد كي تلبسه جعل الأم تأمر الخادمة بالذهاب لإلباس البنت فستانها، وفي نفس اللحظة كان أبو سعد يطلب من الأم أن تخبره عن بعض أشيائه، وعندها نهضت الأم لإحضار ما طلبه زوجها، ونسيت طفلها الصغير بالقرب من الحوض الفارغ والإناء المملوء بالماء، وما هي إلا لحظات بسيطة.. ومع محاولة الطفل العبث.. تعلق الطفل بطرف الإناء، ووقف وهو يلعب بيده بالماء، وفجأة سقط الطفل داخل الإناء، رأسه للأسفل ورجلاه الصغيرتان للأعلى، وبعد أن أحضرت الأم لزوجها ما أراد، عادت إلى طفلها ولم تصدق ما رأت!! طفلها الصغير والإبن الوحيد الذي انتظرت الأسرة سنوات عدة لا يظهر منه إلا رجلاه من أعلى الإناء، وهما في حالة سكون، توقفت الأم عن الحركة مذهولة وكأن قدميها مكبلتان، وصرخت الأم بدون شعور صرخة قوية، ربما سمعها الحي بأكمله من قوتها، حضر بعدها كل من في البيت مسرعاً، وعندما شاهدوا هول المفاجأة، ركض الأب بسرعة، وأخرج الطفل من داخل الإناء، وهو فاقد الحركة ممتلئ البطن ازرق الجسم.. وبسرعة حمله بسيارته إلى المستشفى، ومع دخوله قسم الطوارئ حاول الأطباء عمل الإسعافات الأولية، وإعادة النبض والحياة للطفل، إلا أن محاولاتهم بآت بالفشل، فالطفل قد لفظ أنفاسه الأخيرة قبل الوصول إلى المستشفى، وكم كانت اللحظات عصيبة على أبي سعد، وهو يسمع الطبيب المناوب يقول له : «إنا لله وإنا إليه راجعون»، عظم الله أجركم.. كانت هذه الجمل كالصدى الذي يتردد في أذن الأب المفجوع بمصيبته.. فهو لم يصدق ما يرى وما يسمع.. ولم يعد قادراً على لفظ أي كلمة.. الموقف لم يكن بسيطاً ولا هيناً، فرغم ألم وفاجعة الحدث، إلا أن توقيته كان أكثر صعوبة.. حيث اللحظة التي كان ينتظرها أبوسعد في أن يقود ابنه الصغير معه لتهنئة الأقارب ومشاركتهم فرحة العيد، كان الأب ينظر للوجه البريء وهو صامت ومن غير حراك، كان أبو سعد لحظاتها يمر أمامه شريط الذكريات وهم يداعبون طفلهم الصغير ويلاعبونه وعيناه تغرورقان بالدموع.. يوم الفرحة تحول بسبب تصرف غير مقصود، إلى كابوس وحزن كبير غلف حياة هذه الأسرة البسيطة.. هذه الحادثة الواقعية والحزينة كانت ظروفها وتفاصيلها من أصعب الحوادث الكثيرة التي مرت على الدفاع المدني رغم أن رجال الدفاع المدني لم يباشروا إلا انه من التعليمات أن تقوم المستشفيات بإشعار غرفة عمليات الدفاع المدني بأي حادثة غرق أو حريق أو سقوط حتى يكمل الدفاع المدني عمله في التحقيق في هذه الحادثة. وما حصل لأسرة أبو سعد هو نتاج تصرفات ربما تقوم بها العديد من الأسر في ترك الأطفال بالقرب من أماكن الخطر دون إدراك خطورة ذلك ربما عن جهل أو تجاهل أو إهمال وكلنا أمل أن تدرك الأسر أن اللحظات البسيطة غير المحسوبة لدى البعض قد تكون عواقبها مؤلمة، ومؤلمة جداً للتواصل: [email protected]