خمسة أيام أو أربعة أيام فقط تفصلنا عن عيد الفطر المبارك الذي تتلهف عليه قلوب الصغار قبل الكبار، إذ للعيد رونقه المميز، ونكهته الخاصة عن بقية الأيام الروتينية المملة، ولكن القلوب ليست واحدة، والشعور غير منسجم في نفوس الكثيرين من الناس التي أثقلت نفسها بالحزن من منظور رؤيتها للفرح في فلسفة عقيمة، تحرم النفس من طبيعتها في استشعار أيامها ولياليها، وأعيادها ومواسمها، بالفرح والاحتفال والتغيير وكسر رتابة العام الطافح ربما بالحزن، أو الانكسار، أو الخيبة، في كثير من آماله التي أطاحت بها الحظوظ، أو الكسل، أو الركض وراء الوهم، ومن هنا يأتي العيد كمحطة استشرافية، تعطي الإنسان فرصة للترويح البريء والنزهة النفسية الطبيعية للأمل، والفرح الجميل. لماذا يحاول بعضنا كسر الفرح بالترهيب والتحريم على الناس ممارسة الطقوس الفرايحية المصاحبة للأعياد فيسجنون أرواحهم في البيت فلا استقبال للمعيدين ولا محاولة لزيارة الأهل والأحباب والأصدقاء؟ وبعيداً من فلسفة التحريم البغيض التي ترى في الفرح الفسوق، والعصيان، والخروج عن دائرة الدين، مع علمهم أن العيد شعيرة دينية أوجدها الخالق للإنسان لمعرفته بطبيعة خلقه المجبولة على التغيير، والتجديد، في كل أحوالها الحياتية، إلا أنهم يغالطون أنفسهم في فهم فلسفة العيد، ومفهومه، في إدخال السرور على النفوس، وابتهاجها، بمشاركة بعضها البعض في ألوان الفرح الشعبي، ونشر مبادئ التسامح، والأخوة المنفتحة على الفرح، وتقوية الأواصر الإنسانية بالاحتفاء بالسعادة، وتهذيب النفس على الانخراط في المظاهر التي تصاحب العيد في المهرجانات برقصة، أو لهو مسموح، ومشاركة الأطفال في أهازيجهم، ولعبهم، وأنسهم، لزحزحة الهموم القابضة على الفرحة، لينفتح الشعور على الاستمتاع بكل الفرص المتاحة والاستفادة من الأعياد في مساحاتها المضيئة على وجوه الصغار، واحتفائهم ببراءتهم، وملابسهم الجديدة، وألعابهم الأثيرة، وانتظارهم «العيدية» التي سينالونها من الأسرة ومن خارجها. الفرح في معناه الشامل هو العيد وليس معناه محصوراً في الملابس الجديدة والزينة الذاتية ما لم يزين الإنسان داخله بالابتسامة الصادقة، والمشاعر الفياضة بالحب، للأهل، والجيران، أو من يقابلهم في المسجد، أو الشارع، أو الحي، وإلا فلن يتحقق، لعدم إحساسه بنّية الفرح وحصر نفسه في زاوية ضيقة معناها أن الحياة لا تستحق منا هذه الفرحة، ولا يجوز لها أن تخرج عن نطاق طقوسها اليومية العادية، المغمورة بالهموم والعمل. نحن مسؤولون عن صنع الفرحة لأنفسنا، والنيّة في التغيير هي القادرة على فعل ذلك، في النفس، وفي البيت، وفي الأسرة. ما المانع أن نزين بيوتنا ببعض الزينات البسيطة لنفرح الصغار ونبهجهم بصورة العيد، بل ونغرس هذا المبدأ في نفوسهم حتى إذا ما كبروا صنعوا ذلك مع أسرهم المستقبلية؟ وما المانع أيضاً أن تصطحب الأسرة معها الأبناء من الجنسين في زيارات صباحية، للأهل، والأقارب لتعزيز روابط القربى، وتأصيل مفاهيم العيد في حياتهم؟ لماذا لا نجعل من صباح العيد، ونهاره، يوماً مختلفاً، فلا ننام فيه كما هي العادة السائدة الآن، إذ ينام الناس نهاراً، ويستيقظون ليلاً، فجعلوا من العيد صخباً ليلياً، يغيب في النهار كما كان قديماً؟ نحن قادرون أن نجعل الفرح عيداً، ليس سنوياً، بل ويومياً، وأسبوعياً، وشهرياً، إذا ما غيرنا دواخلنا وعقدنا النّية على حق أنفسنا في صنع الفرح لنا ولمن حولنا، وجعلناه شعاراً ينتصر على الألم، والقهر، والخيبة، ويشرع شرفات القلوب لبلوغ الأمل، والانتصار على مواضع الفشل، وزرع النجاح في منابت الإرادة المتفائلة بالوقت، وحسن التخطيط، ونجعل العيد نقطة البدء بالتجديد الفعلي، والتخلص من مشاعر الإحباط، وكل عام وأنتم بخير. [email protected]