في بعض القرارات التي تتخذ من جهات رسمية تنشد التنظيم الذي خدم المواطن بالدرجة الأولى؛ تبقى تنظيمات (تنظيرية) تفتقد الواقعية، وفي كثير من الأحيان يصعب تطبيقها، وأن طبقت يستحيل الاستمرار فيها، إلا أن توجه مجلس الشورى الأخير الذي يقترح رفع رأس مال صندوق التنمية العقارية المدفوع ليصبح 200 مليار ريال، ورفع قيمة القرض الممنوح للموطنين إلى 500 ألف ريال، يبقى مقترحا صعب التنفيذ كونه يحمل الدولة مالا طاقة لها به من خلال ضخ سيولة نقدية ضخمة للتطوير الفردي؛ هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى – وهو الأهم – أنه سيؤدي إلى تضخم أسعار الأراضي إلى أرقام فلكية. أن المتتبع لتاريخ السوق العقاري في السعودية يعلم يقينا أنه سوق قام على تداول الأراضي؛ حيث إن العقاريين اتجهو إلى تطوير الأراضي الخام بقصد تطويرها (تقسيمها) إلى أراضٍ أصغر تلبي احتياجتهم السكنية من خلال بناء المساكن، وهذا ما يعرف بالتطوير الفردي. مثال: أرض خام قيمة المتر 100 ريال، بعد تداولها بيعا وشراء يصل المتر إلى 200 ريال للمتر، المشتري الأخير يقوم بأعمال التطوير والتقسيم، كي يبيع الأراضي ( بلكات) بقيمة 400 ريال للمتر، المضاربة على الأراض (3 مرات على الأقل) يصل بالمتر إلى 650 ريالا للمتر، فالمستهلك النهائي الراغب في بناء مسكن يتملك الأرض بقيمة 700 ريال، فإذا كانت مساحة الأرض 500 متر مربع فإن إجمالي قيمة الأرض حوالي 350 ألف ريال، هذه الأرقام متحفظة جدا، إذا ارتفع الطلب – في حال رفع قيمة قرض صندوق التنمية فهذا يعني ارتفاع سعر المتر (نظرية العرض والطلب). الحل الأمثل اعتماد التطوير الشامل، قيمة الأرض الخام 100 ريال يشيد عليها مباشرة قرى سكنية، ويكون دور الحكومة ضامن للمواطن، كي يقترض من البنوك لشراء المساكن، مع ضرورة دعم الشركات لهؤلاء المطورين لخفض تكاليف البناء، ولنتذكر جميعا ماحصل للزراعة عندما دعمت الحكومة المزراعين فأصبحت السعودية – البلد الصحراوي- واحة خضراء، لماذا لانكرر التجربة في التنمية الإسكانية. فشركات التطوير العقاري الحقيقية دائما ما تجعل مهمتها تجاه المجتمع موازية لمهمتها الأساسية لارتباطها الوثيق في تحقيق أهدافها التسويقية، وبالتالي فشركات التطوير العقاري الحقيقية تؤمن بضرورة خدمة المجتمع من خلال تطوير منتجاتها وخدماتها وتنمية البيئة الاستثمارية التي تنشط بها من خلال طرح القضايا ذات الصلة والحلول المقترحة من خلال تطبيق نماذج ناجحة تحفز المسؤولين للأخذ بتلك الحلول، وكل ذلك لا يقوم به المطور الفردي بأي حال من الأحوال، معتبرين بأن فكرة التطوير الشامل كأحد الحلول للقضية الإسكانية، وذلك في استكمال البنى التحتية والعلوية والأبنية لأي حي وبجودة عالية في فترة قصيرة يعزز تعاظم قيمته وقيمة مساكنه، لا كما هو حاصل الآن في الكثير من الأحياء المطورة بالطريقة التقليدية من قبل الأفراد حيث تتهالك قيمتها بمرور الزمن بما لا يجعلها تصلح كضمان للشركات الممولة. تواجه المملكة نقصاً في المنتجات السكنية، يصل إلى مليون وحدة سكنية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، ويرجع هذا النقص إلى تزايد الطلب من فئة الشباب، وتسارع النمو السكاني. ويتساءل الكثير عما إذا كان التطوير العقاري الفردي قادر على توفير وحدات سكنية بكميات كبيرة ومتنوعة وبجودة عالية. أمانة منطقة الرياض نجحت في توطين فكر التطوير الشامل، بتجارب واقعية يعلمها الجميع، لأن هذا التوجه المعمول به في كثير من دول العالم المتقدمة والمتأخرة؛ من أهم آليات توفير الوحدات السكنية بأسعار مناسبة وجودة عالية وبآليات تمويل تناسب متوسطي الدخل، وتفعيل دور المطورين الحقيقين لمعالجة القضية الإسكانية من خلال وجود مطور إسكاني قادر على تطوير أحياء ووحدات سكنية عالية الجودة متعاظمة القيمة لتشكل أساسا صلبا كأصول ضامنة لدورات مالية متتالية. ولفت خبراء في التطوير العقاري أنه ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر مشكلة اسكانية في المدن الرئيسة السعودية تمثلت بارتفاع الإيجارات بأكثر من 30%، كما تمثلت بانخفاض ملكية المساكن الخاصة من 65 % إلى 55% نتيجة محدودية فرص التمويل العقاري، وغياب آليات استثمارية متطورة تلبي الاحتياج السكني المحلي، وقلة المطورين القادرين على انجاز نوعية ضخمة من المشاريع السكنية. مما شجع البعض بضرورة قيام شركات تطوير إسكاني عملاقة قادرة على تطوير كميات كبيرة ومتنوعة من الوحدات السكانية لتدارك المشكلة قبل تفاقمها. ويأتي هذا التشجيع بعد إعلان الحكومة ممثلة بوزارة الاقتصاد والتخطيط حجم الطلب على المساكن خلال خطة التنمية الثامنة (2005-2009م) بنحو مليون وحدة سكنية، بحدود 200ألف وحدة سنوياً. وطالب خبراء التطوير العقاري بضرورة تغير ثقافة شراء المساكن من قبل المواطن السعودي ليحصل على المنزل المناسب في الوقت المناسب حسب استطاعته المالية وحاجته، وذلك في الإقبال مثلاُ على شراء الشقق في بداية حياته الأسرية، وإمكانية بيعها في حال زادت قدرته الشرائية بما يمكنه من شراء فيلا في حال زيادة عدد أفراد أسرته مما سيوفر له عوائد مالية بعد بيعه للشقة. وانتهجت بعض شركات التطوير العقاري بناء وحدات سكنية متنوعة تتناسب وحجم الأسرة ودخلها، حيث تعتبر الشركة نموذجا واقعيا لشركات التطوير العقاري الحقيقية من خلال إعلانها عن استراتيجيتها في تطوير وتسويق الوحدات السكنية للطبقة المتوسطة. ولا تزال مشكلة " التمويل العقاري" في المملكة، بحسب خبراء العقاريين، تمثل عقبة كبيرة لحصول المواطن على تمويل عقاري مناسب للبحث عن مسكن له ولأفراد عائلته، إذ أن نقص التمويل خلق نوعا من الحرمان لأكثر من 55 في المائة من المواطنين، يعود ذلك لعدم قدرتهم المالية على شراء مسكن بنظام الدفع النقدي، مما يحتاجون لنظام التمويل والتقسيط لرفع قدرتهم الشرائية ومع قلة عدد الشركات العقارية القادرة على توفير هذا النمط من أنماط تملك المساكن وإحجام البنوك إلا بحدود ضيقة في تقديم فرص تمويل عقاري للأفراد لتملك المسكن لا يجد المواطن بدا من اللجوء للإيجار الذي يستنزف كثيرا من دخله السنوي، وقد أشارت الدراسات إلى أن نسبة التمويل العقاري من القطاع الخاص متدنية ولا تزيد على 3% في حين أنها في الدول المتقدمة تصل إلى 45%. وأوضح عقاريون أن هناك أسباباً منطقية كثيرة لظهور أزمة الإسكان في المملكة بسبب أن الشباب يمثل نسبة كبيرة تصل إلى 60% وهى الفئة العمرية للزواج والاستقرار والبحث عن مسكن كما أن الزيادة السكانية ووجودها وهجرتها إلى المدن الكبيرة شكلت عوامل مساعدة على زيادة الطلب على الوحدات السكنية سوى فلل أو شقق تمليك إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، كما أن هناك عديدا من الأسباب التي أوجدت نوعا من زيادة الطلب على المساكن هو رغبة كثير من الشباب في الاستقلالية في سكن المنفصل عن الأسرة الكبيرة وهو عكس ما كان سائدا في الماضي. ولفتوا إلى ان شح التمويل وعجز المطورين قد أوجد التطوير الفردي والذي يصل إلى نحو 90 في المائة مما أوجد نوعا من زيادة الطلب قابله قلة في العرض لعدم قدرة التطوير الفردي في توفير وحدات سكنية بأعداد ضخمة وجودة عالية لأنه تطوير يعتمد على أدوات تقليدية لم تعد تناسب سوقا عقارية ضخمة كسوق المملكة. وبينوا ان التطوير الفردي يزيد من تكاليف الإنشاء على عكس الشركات العقارية المتخصصة في بناء المساكن تقدر على تطوير آلاف الوحدات السكنية بتكاليف منخفضة مما يسهل على المواطن تملكها. وأكدوا ان استمرار المواطن في نظام الإيجار يجعل فرصته في تملك مسكن خاص معدومة تماما في حين يقدر على البحث عن السكن المناسب إذا تم تطوير آليات التمويل العقاري للشركات وللأفراد بحيث تستطيع الشركات تطوير وحدات سكنية بأعداد كبيرة وبتكاليف مادية قليلة وطرحها بأسعار مناسبة وبنظام التقسيط على سنوات طويلة كما هو متبع في بعض الدول يمكن حينها أن يصبح ما يدفعه المواطن كإيجار شهري لمسكن لا يملكه قسطا شهريا لمسكن يملكه.