تحاصرك الأجواء المحبطة أحياناً فتهرب منها إلى تلك الطرقات التي اعتادت أن ترسم صورة التحرر الضمني وليس الشكلي وإنما على هواك . تشعر أن لحظة الإحباط هذه مدسوسة عليك ، ومتسلطة كغيرها من تلك اللحظات التحريضية التي طالما انهمرت فجأة دون أن تكون مستعداً لها . اعتدت على ملامسة إحباطاتك ، والانفصال عنها متى شئت دون التوقف لإسقاط كوارثك على رؤوس الآخرين . لأنك في الأصل لست ضد أحد . ولست ضد هذه السلسلة من الهموم اليومية المعتادة . ولست مكلفاً باجتياز طرقات طالما أغلقت منافذها في وجهك . ولست ضد كل مظاهر الحياة الاعتيادية التي تغمرها المشاكل ، وتسرق أفراحها من شقوق الأبواب . ولست ممن يتطاول على الآخرين من منطلق إفراغ شحنة أوجاعه . ولست تلقائياً لدرجة السذاجة حتى تعتقد أن الأحلام بامتداد المخيلة وتحققها يقف على حدود أقدامك . أنت محبط فعلاً لكن لم تتراجع أولويات اهتماماتك ، وليس بإمكانك أن تعمم إحباطك على الآخرين ليتناثر كالضوء . أنت محبط ، لكنك غير مستلب الإرادة ، ولا تزال قادراً على الإمساك بتفاصيل لحظتك بهدوء وعدم انفعال أو توتر . لا يعني أنك محبط أن تعتقل الآخرين بمذكرة إحباطك وتدخلهم داخل دائرة لا تمتلك مفاتيحها . لا يعني أن تكون محبطاً أن تعمم خرائط إحباطاتك على الآخرين لتصبح طرقهم واقعية ولا يعني أن تكون محبطاً أن تتحول إلى قطعة من العذاب اليومي المعروض على شاشة زمنك . جزء متسع من أحلامك من المؤكد أن ينتهي بالإحباط . وجزء آخر من قلقك سوف يستمر ولن يكون هو مشكلة المشاكل . وجزء آخر من أحزانك سيظل وقفاً عليك ولن تستطيع أن تنفصل عن مفرداته . لن يتحول إحباطك إلى مطرقة وسندان يتحفزان للقضاء عليك . ولن تعجز عن فتح جسور التفاهم مع الآخر حتى وإن كنت محبطاً . ولن تجعل كل قضاياك الأساسية هامشية من منطلق أنك تذوب دون إرادتك في بحر من الإحباط . ولن تصبح لحظاتك فارغة من التفسير لأنك تصر على الثبات والتحجر داخل إطار كوارثك . بعض البشر يتحول الإحباط الوهمي لديهم إلى وظيفة تُمارس كل يوم وإلى كتاب مفتوح يفرض عليهم قراءته كلما اصطدمت أعينهم بمفرداته رغم أن بإمكانهم أن يغلقوا صفحاته متى شاءوا . لا أحد بإمكانه أن يغلق أبواب إحباط الآخر طالما كان هو اقتنع بأن كل الطرق التي تؤدي إليه لا يمكن أن تعبر إلا عن طريق جسر إحباطاته ، ولا يمكن لأحد أن يزيل الغيمة التي تقف على رأسك إذا كنت مصراً على بقائها، وإذا كنت قد فصّلت إحباطاتك بمواصفات خاصة بك لا يمكن لأحد أن يفتح شفرتها أو يقرأها . تزهر الشجرة كل عام ويعبر على أوراقها الخريف ويسقطها لكنها تظل تمنحنا لحظة الإحساس بالجمال ، وتفتح خطوط الطول والعرض لنستمتع بالربيع حتى من خلال الإحساس بملامحها . كثيرة هي إحباطاتنا .... لكن كثيرة هي قدراتنا على اجتياز هذه الإحباطات متى استوعبنا أسئلة الزمن ... وتفاعلنا مع طبيعة كل الأشياء ، وآمنا بأن أغلب جماليات الحياة يسبقها الإحباط .