يذهب المختصون في تعريف مفهوم إدارة الأزمات بأنه الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل الفوري مع ما حدث الأمر الذي يفرض سؤالا طرحته المدينة على ضيوف ندوتها حول ادارة الازمات على خلفية كارثة جدة هو: لماذا فوجئت جدة بالكارثة؟ هل كان من الممكن توقع الكارثة والتحسب لها واتخاذ تدابير احترازية للحد من آثارها؟ ** د. نبيل عباس: يبدو أن المسؤولين قد فوجئوا بالكارثة لأسباب عديدة من أهمها عدم واقعية التصورات التي لدى الناس الذين لم يجابهوا بكوارث لسنين طويلة فحدث لديهم استرخاء. هذا الاسترخاء انطبق على المواطنين وعلى المخططين. أتذكر قبل حرب الخليج الأولى وبينما كنت أكتب عقداً للبناء بين المالك والمقاول. بينما كنت أضمن ضمن بنود العقد أنه إذا قامت الحرب يحدث كذا كانوا يضحكون من ذلك. بعد الحرب حمدت الله على أنني تنبأت بما حدث. نفس الأمر حدث أثناء كارثة جدة. ذلك ان طول فترة الأمان والأمن خلقت حالة من الاسترخاء جعلتهم يبنون منازلهم في مجاري السيول اعتقاداً منهم أنهم قد أخذوا براءة من الله تعالى من الكوارث...!! * د. نبيل عباس هل كان من الممكن تلافي هذه الكارثة؟ ** كان من الممكن التعامل معها بطريقة مختلفة والتخفيف من آثارها. * هل تعتقد أننا نمتلك آليات التوقع وان لدينا تلك الآليات؟ ** أشك في أنها محدثة جداً وذات فعالية. هي موجودة لكنها غير مفعلة جيداً. الآن هناك أجهزة إنذار مبكر للتنبؤ بتسونامي موجودة على مسافة ثلاثة آلاف كيلو متر. الأجهزة موجودة لدى كل الجهات بما فيها الأرصاد الجوية والدفاع المدني والأمانة. هذه المنظومة لديها آليات التوقع... * هل تعتقد أن صور الأقمار الصناعية كان من الممكن أن تسهم في سهولة التنبؤ بالسيول وتحديد وجهة السيل والتحذير المبكرمن مخاطره ؟ ** لو كانت هناك خطة موجودة لاستطعنا الاستفادة من كل هذه التقنيات، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذه الخطة موجودة ؟! الأمر أشبه بآلة ضخمة بها مجموعة من التروس.كل جهاز من هذه المنظومة يمثل ترساً، لو أن هناك ترس انفصل عن بقية التروس لن تستطيع الآلة أن تعمل... * هل تقصد أن الآليات موجودة ولكن لا توجد خطة جيدة لاستغلالها؟ بمعنى أن هناك آليات للتنبؤ بالكارثة وأخرى لتوقيها وثالثة للتعامل نعها بعد وقوعها ولكن لا توجد خطة واضحة لاستخدام تلك الآليات وسرعة التجاوب معها.. هذه قضية كبيرة وخطيرة؟ ** أعطيك مثالاً على ما ذكرته؛ طلب مني أحد الزملاء في أمانة مدينة جدة قبل عام ونصف أن أبحث له عمن يصمم له خطة لإدارة الكوارث في الأمانة. أحضرت له خبيراً سعودياً كان يعمل في وزارة الخارجية وقدم له خطة مفصلة فأجابه بأنه لا توجد ميزانية ولو سلفة لإجراء الدراسة ناهيك عن التنفيذ. وطلب منه أن يخفض التكلفة فخفضها بنسبة 40% ورغم ذلك لم تتوفر لهم الميزانية للدراسة. كانت هناك فترة استرخاء بسبب الشعور بالأمان الزائد. * د. علي الحرابي: هل تعتقد أن البنية التحتية لدينا لم تكن مؤهلة لاستقبال أو تلقي الحدث والتعامل معه؟ ** في كل إدارات تخطيط المدن هناك دراسات لحجم البنية التحتية واحتياجاتها. الذي حدث في تلك الفترة حسبما ذكر المسئولون في الأمانة فإن 70% من البنية التحتية في جدة لم تكتمل. طبيعي جداً مادام 70% من هذه البنية لم يكتمل بعد حسبما قيل فلن تستوعب المدينة حجم السيول والأمطار التي استقبلتها مدينة جدة خلال الفترة السابقة، ولكن أساساً ليست لدينا الوسائل العلمية للقياس حتى نعلم أنها تكفي أم لا تكفي. على سبيل المثال الجزء الأكبر في هذه الكارثة كان في جسر الملك عبد الله الذي لم يختبر جيداً لمعرفة ما إذا كان يتحمل ذلك... * هل كان من المفترض أن تتم تجربة الجسر قبل استلامه من الشركة أو المقاول؟ ** هذا من المفترض. في أي دولة أخرى... * هل من الثابت أنه إذا تم الانتهاء من مشروع ما تتم تجربته قبل استلامه بواسطة الجهات المعنية؟ ** لا بد أن تكون هناك تجربة فعلية. في الدول المتقدمة يتم وضع مجموعة من الشاحنات على الجسر لعدة أيام ويجرب عليه المطر والمياه والعوامل التي يمكن أن تؤدي إلى خلخلة الجسر. إذا صمد الجسر يتم استلامه. لا بد من عملية قياس. الأمر نفسه ينطبق على كافة أنواع البنية التحتية. للأسف لدينا مشكلة كبيرة ومزمنة في ما يتعلق بتصريف المياه. مهما أنجزنا من بنية تحتية ووضعناها أمام السيول فلن تستطيع أن تجابهها...ولكن كان من الممكن اتخاذ بعض الإجراءات المتعلقة بالتنبؤ مما يسهم في التقليل من حجم الكارثة. المفروض قبل أن نهتم بإنجاز مشاريع البنية التحتية أن نهتم بإدارة الكوارث والأزمات التي قد تحدث وهذا ما نفتقده. * ماذا عن البنية التحتية لمدينة استقبلت سيلاً دون أن تكون لها القدرة على مواجهته؟ وماذا أيضا عن البنية التحتية المؤسساتية، هل كانت مؤهلة لمواجهة السيل؟ د. نادية باعشن: ما ذكره الدكتور نبيل أسماه الشعور بالأمان الزائد وأعتقد أن حديثه صحيحاً. توهمنا أن لدينا القدرة على العمل في مواجهة الأزمات أو الكوارث. اتضح لنا أننا لا نملك ذلك وليست لدينا بنية مؤسساتية أو نظامية أو إمكانيات أو خطط لمواجهة مثل هذا النوع من الكوارث . لدينا مشكلة كبيرة جداً نعاني منها وهي غياب او محدودية التنسيق بين الجهات المعنية. هذه الجهات ينبغي أن تقف متلاحمة مع بعضها وتعمل برؤية واحدة لتحقيق هدف واحد وقضية واحدة. لكن هذه الجهات لا تتحدث للأسف حتى مع بعضها البعض. * ما هي وسيلة الربط بين الأجهزة التي ترين أنها مسؤولة في مجملها عن النتائج الفادحة لكارثة السيول وما هي الوسيلة التي تحقق التنسيق بين هذه الأجهزة ؟ ** الوسيلة هي خطة تشارك فيها كل الجهات. إذا قلنا أن ما حدث قد حدث ودعونا نفكر في الغد فهذا يعني أنه علينا أن نعمل شبكة لتصريف مياه المجاري وأخرى لتصريف مياه الأمطار. هل نلقي المسؤولية كاملة على كاهل الأمانة؟ الأمانة تدعي أنها قامت بإعداد خطة مؤخراً وقامت بالتجهيز لعمل خطة لبحيرة المسك لتفريغها في البحر بتكلفة ستة مليارات ريال. ما الذي جعل الأمانة تنفرد بإجراء هذه الخطة؟ مثل هذه المشاريع لا ينبغي أن تنفذها الأمانة لوحدها. ليس كل جهاز يستطيع أن ينفذ مشاريعه من الألف إلى الياء. لا بد أن تكتمل المنظومة، ولا بد من وجود خطة تشارك فيها جميع الجهات. * هل تعتقدين أن الخطأ المؤسسي تشاركت فيه أطراف كثيرة ولا بد أن يكون الحل مؤسسياً تشارك فيه جهات كثيرة؟ ** بالتأكيد. وأتمنى ذلك. بالتعاون بين كل الجهات. كل الأجهزة المعنية في قفص الاتهام بما فيها الأمانة والدفاع المدني ووزارة المواصلات والأرصاد ومصلحة المياه. بعض أصابع الاتهام تشير إلى وزارة المالية لأن بعض أمناء مدينة جدة قاموا بعمل خطط ومشاريع والمالية أحجمت عن الصرف. لا بد أن تشارك وزارة المالية في وضع الخطط الجديدة حتى لا تبذل الجهود في إعداد الخطط وتأتي وزارة المالية لتحجم عن الصرف على المشروع. المجال لا يتسع أبداً للأخطاء في الفترة القادمة. لا بد أن تشارك جميع الجهات التي شاركت بتقاعسها في هذه الأزمة. * هل كارثة السيل كارثة طبيعية أم أن هناك عوامل بشرية تشاركت مع الطبيعة في حدوث الكارثة بحجمها الراهن؟ ** د.نبيل: الكوارث الطبيعية موجودة منذ أن خلق الله الأرض وستبقى إلى أن تقوم الساعة. الإنسان يتعامل منذ القدم مع هذه الكوارث الطبيعية و تاريخ البشرية قديم في التعامل مع هذه الظواهر. الإنسان لسبب ما قد يكون سبباً في حدوث هذه الكوارث عندما يسيء التعامل معها. وكما رأينا فلم يكن هناك استعداد كاف للتعامل مع هذه الكارثة. معلوم أن السيل عبارة عن خطر. تحليل هذا الخطر ومعرفة ما إذا كان كبيراً أم صغيراً وهل نستطيع التعامل معه أو نتلافاه؟ هذا لم يكن بالمستوى المطلوب بدليل أن الناس بنت منازلها في مجاري السيول وتعاملت معها بطريقة خاطئة. كذلك التنبؤ بالكارثة لم يكن جيداً بالشكل الكافي لأن وسائل الإنذار المبكر لم تكن فاعلة. توصيل الرسالة إلى الآخرين لتخفيف الضرر لم يكن فاعلاً. الغريب في الأمر أن التعامل مع الكارثة بعد وقوعها كان أفضل من التعامل معها قبل حدوثها. * هل تعتقد أن سكان جدة أو المدن المعرضة للكوارث يحتاجون إلى تدريب للتعامل معها في حالات الطوارئ؟ ** المدارس والكليات لا بد أن تدرب طلابها على طريقة التعامل. فالطفل لا بد أن يعرف كيفية التعامل مع الكارثة وأن يتدرب مرة ومرتان على طريقة الإخلاء. في الدول المتقدمة جميع الطلاب يبلغون أنه إذا حدث أمر طارئ فإن نقطة التجمع تكون في مكان محدد توضع عليه علامة حمراء. ** د. علي الحرابي: الكارثة وقعت والسيل حدث وجرف المدينة. لكن التعامل مع الكارثة كان دون المستوى لأسباب كثيرة منها غياب الإمكانات وعدم وجود القدر الكافي من التنسيق بين الجهات المعنية كما ذكرت الدكتورة نادية. هناك عدة جهات مثل الدفاع المدني وهيئة الأرصاد الجوية اشتركت في هذه الأزمة. الكارثة وقعت وحجمها فاق التوقعات. المشكلة الحالية في وجهة نظري هي أن التعامل مع الكارثة بصورة مهنية قبل الكارثة وأثناءها وبعد وقوعها لم يكن بالقدر الكافي. ** د. نادية: ولا ننسى كذلك أن بقايا الكارثة تمثل حالياً مرتعاً خصباً للناموس والفئران وغيرها. علينا أن نتوقع أمراضاً مثل حمى الوادي المتصدع والملاريا إذا لم تتخذ إجراءات كافية لا تقتصر على مجرد رش المياه. * أين إدارة الأزمات والكوارث في هذه الكارثة التي مثلت امتحاناً للمجتمع المدني؟ ** د. علي الحرابي: في أمريكا نجد أن الجيش مدرباً للتعامل مع الكوارث لأنه قد يشارك في الحرب لفترة معينة ولكن طول العام يشارك في إدارة الكوارث والأزمات. وعندما وقعت الكارثة كان من المفترض أن تتم الاستعانة بجميع الأجهزة سواء كانت طبية أو أمنية. لم تكن استجابتنا سريعة لأننا توقعنا أقل مما حدث بكثير. نتيجة لذلك تسبب عنصر المفاجأة بمزيد من الخسائر. كثيرونً ممن تأثروا بكارثة السيول تفاجأوا بحجم المياه ولم يتمكنوا من تقدير حجمها الحقيقي. ** د. نادية با عشن: من الغريب أننا لم نشاهد خبراً واحداً عن هذه الأزمة في التليفزيون السعودي أو قناة الإخبارية طيلة فترة الحج لو كان الناس يعلمون الحقيقة كاملة لما دخلوا إلى الشوارع المنكوبة وتأثروا بها. * ما هي الخطايا التي قادت إلى زيادة وتضخم حجم هذه الكارثة التي شهدتها مدينة جدة؟ ** د. نبيل عباس : من الخطايا عدم وجود الحماية لمدينة جدة من السيول، وكذلك... د. نادية: أكمل الجملة من فضلك. لا توجد حماية من السيول بعدما تغاضت الجهات المسئولة عن توفير عن هذه الحماية. د. نبيل: لو كانت هناك حماية من السيول في مدينة جدة ما كان يمكن أن يتم البناء في مجاري السيول. أن تنشأ بعض المباني في مجاري السيول فهذا من أكبر الخطايا... * الآن وقد بنينا في مجاري السيول وواجهنا الكارثة هل تعتقد أنه من آليات حماية المباني توفير مجاري سيول بديلة أو شق قنوات جديدة لها هل هو أمر ممكن؟ ** د. نبيل: نعم وهذا هو الحل الأقل كلفة. الحل السهل يكمن في إزالة المباني. لكن تغيير مجاري السيول وحماية المدينة منها بشكل مدروس قد يكون أكثر كلفة ولكنه الآن هو الخيار الأنسب.وهو حل ممكن تقنيا . فنحن تسببنا في الكارثة بأيدينا عندما بنينا المنازل في مجاري السيول. المياه ذكية جداً وتكتشف الطرق السهلة بحركتها ولا بد أن نحترم ذكاءها. ** د. علي الحرابي: لا شيء في مدينة جدة يدل على وجود إدارة الكوارث. نحن لسنا بحاجة إلى إدارة الكوارث بأكثر من حاجتنا لإبلاغ الناس بالكارثة. ** د. نادية: الأرصاد الجوية تقول انه تمت إذاعة الخبر في النشرة الجوية وأذكر أنه قيل أنه ستكون هناك أمطار خير وبركة ولكنهم لم يقولوا أنها ستكون رعدية أو ستسيل سيول خطيرة تغرق البلد. هذا يعني أنه تقنياً لدينا أجهزة استقراء ورادارات وتلسكوبات وأقمار ضخمة ولكن الإمكانات البشرية التي يمكن أن تستخدم هذه الأجهزة بالصورة المثلى وتقدم لك نتائج توقعاتها ليست موجودة. * ما هو السبيل لحماية مدينة مثل جدة تعرضت لهذا النوع من الكوارث حتى نضمن الحماية الآن وقبل أن تحدث أي كارثة إضافية؟ **د. نادية: هناك عدة خطوات احترازية وتنفيذية. الاحترازية كما ذكر الدكتور أن السيول أتت من مناطق نعلمها جيداً. لو قمنا بتكليف جهات معينة تراقب السيول منذ تكون قطراتها وتخبر الناس حتى يتم التحسب وأخذ الاحترازات. * ولكن هل الأجهزة كافية وهل هي بمثل الكفاءة الموجودة لدى الآخرين؟ ** د. نادية: الأجهزة الموجودة لدينا أفضل من الموجودة لديهم. ومع ذلك المسألة ليست في الاجهزة بل هي فيمن يجلس أمام الصورة ويفهم ما يوجد أمامه. * هل المسألة كما تقولين هي فقط في الشخص الذي يحسن قراءة الصور الموجودة أمامه أم أن المشكلة في الثقافة المحلية التي تتعامل مع هذا الوضع على أنه قضاء لا راد له؟ ** د.نادية: كما ذكر الدكتور نبيل فإن الترس اختل. لدينا أشخاص قادرون على الاستقراء، من الذي يفترض أن تقوم الأرصاد بإبلاغه؟ * الدفاع المدني؟ ** د. نادية: فقط؟ أم البلدية أم التليفزيون؟ وهل نتوقع أن الدفاع المدني يعرف كيفية التصدي لكارثة بهذا الحجم، وهل لديه الإمكانات البشرية والفنية؟ * لدينا الكوادر البشرية والأجهزة والأرصاد الجوية ولدينا جهاز اسمه الرصد الفضائي ووسائل إعلام قادرة على نقل رسائل هؤلاء إلى الناس ودفاع مدني قادر على التعامل عندما تقع الكارثة، لكن الكارثة وقعت بالفعل، ماذا تقترحون حتى يمكن تجنب تكرارها؟ **د. نادية: لماذا لم يعملوا؟ لأن كلاً منهم يقف في جهة خاصة به. لا يوجد رابط يربطهم ولا توجد منظومة تضمهم. تتمثل في جانبين أولهما وجود الخطة. والثانية وجود الأجهزة القادرة على تنفيذها بالتنسيق فيما بينها. *ما الجهة التي ترين أنها يجب أن تضع الخطة؟ **د. نادية: مجلس المنطقة. * هل مجلس المنطقة هو الجهة التي تختص بوضع خطة؟ ** د. نادية: نعم وفي كل محافظة من محافظات مكةالمكرمة لأن كل محافظة تختلف عن الأخرى في المناخ والجغرافيا. شرورة مثلاً غير جدة وغير الطائف. كل محافظة ينبغي أن تكون لها خطة لمواجهة الكارثة وتوابعها وكيفية الإخلاء والتعامل معها صحياً. لا بد أن تكون الخطة موجودة. منذ وقوع الكارثة وحتى توقع الوباء. * ما هي أكبر الفوائد التي يمكن أن نخرج بها من هذه الكارثة لأن الكوارث قد تحمل في بواطنها خيراً للناس؟ **د. نبيل: تفعيل المجتمع المدني في مواجهة الكوارث. هذه الناحية كانت غائبة عنا. الجانب الآخر هو أننا سنكون من ناحية التخطيط والتنظيم والمراقبة والمحاسبة أفضل حالاً بعد الكارثة من قبلها. سيختلف الوضع تماماً. هذه أكبر الفوائد. سنتغير إلى الأحسن بإذن الله. * إلى أي مدى تعتقد أن اللجنة الخماسية التي أمر الملك بتكوينها يمكن أن تسهم في تجسيد هذه المنافع على أرض الواقع؟ ** د. نبيل: اللجنة هي النواة الأولى ولكن الشجرة قادمة. هذه اللجنة إذا أحسن وضعها في التربة سوف تثمر خيراً إن شاء الله. * كيف نعرف أنه قد أحسن وضعها في التربة؟ ** د. نبيل : من خلال نتائجها لأنها سوف تعلن النتائج ونعلم من ستحاسبه. النتيجة ستكون مؤشراً هاماً. * ما هي برأيك المدخلات الجيدة لتحقيق نتائج جيدة؟ ** معلومات كافية واستخدام جيد لهذه المعلومات حتى يمكن الإفادة منها. إذا أردنا نتائج جيدة لا بد أن تكون هناك معلومات جيدة. * هل محاسبة المسؤولين عن فترة زمنية ممتدة عما آلت إليه الأوضاع الكارثية في جدة جزء من هذا؟ ** د. نبيل: نعم ليست لدينا سابقة فيما أعلم بأن تحاسب أشخاص أخطأوا منذ 30 عاماً. هذه اللجنة ستؤسس لهذا الأمر. وكيفما أسست سيظهر ذلك في نتائجها. * نعود إلى موضوع إدارة الأزمات، لدينا نموذج يتكرر سنوياً وهو موسم الحج. في هذا الموسم يتم التحوط لكل الكوارث التي من الممكن أن تحدث مثل السيول والأمراض والمشكلات الأمنية لماذا لا يستفاد من هذا النمط الناجح في موسم الحج؟. ** د. نادية: أصبحنا بفضل الحج أفضل دولة في العالم تقوم بالتفويج لدرجة أن الولاياتالمتحدة نفسها طلبت المعونة من وزارة الحج خلال الاحتفال بتنصيب الرئيس أوباما لمعرفة كيفية تفويج الجماهير التي ترغب في مشاهدة التنصيب. * هل يمكن أن نستفيد من خبرة وزارة الحج في إدارة الكوارث؟ ** د. نبيل: يجب أن نعمل على إنشاء مركز لإدارة الكوارث على أن يكون تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية على أن يضم خبراء من مصر والسعودية والكويت وغيرها...لا يمكن للمملكة أن تكون لها وحدها جهاز لإدارة الكوارث الطبيعية..الكارثة ليس بالضرورة أن تكون طبيعية. يمكن أن تنفجر طائرة في المطار لتصبح كارثة. التهديدات في حرب الخليج كان يمكن أن تكون كارثة.. لاحظ عدم وجود بنية تحتية لتصريف السيول وعدم وجود بنية تحتية مؤسساتية تتمثل في جهة محددة معنية بإدارة الأزمات مما زاد من تفاقم الوضع المأساوي. لا توجد جهة معنية. الدفاع المدني ربما يكون قادراً على إدارة أزمات أخرى ولكن واضح أنه ليس كذلك في ما يختص بالسيول... ** د. نادية: أريد أن أوضح أمراً هاماً وهو أن الأمطار لم تكن هي السبب وإنما الكارثة كانت بسبب السيول. هذه السيول معروف أنها تسيل في وديانها وجدة بها أربع سيول معروفة هي المريخ قويزة وغيرها. ما الذي أدى إلى وقوع الكارثة؟ * البناء في مجاري السيول؟!. ** بالضبط. لولا وجود المخالفات الشرعية لما حدث ما حدث. هناك حديث شريف للنبي الكريم يمنع البناء في بطون الأودية. * وهناك مراسيم ملكية تمنع ذلك؟ ** د. نادية : إذاً هؤلاء خالفوا شرع الله وخالفوا مرسوم ولي الأمر وخالفوا النظام العام للدولة. المخالفون كثيرون وهم متضامنون. المسؤولية ليست على البلدية فقط، حتى المحكمة التي أفرغت الصك مسؤولة.حتى شركة الكهرباء التي أدخلت الخدمة والحكومة التي بنت المدارس ممثلة في وزارة التربية والتعليم وحتى وزارة الأوقاف التي بنت المساجد. إذاً الكارثة بفعل فاعل وليست قضاءً وقدرا... * لهذا نسأل هل هذه الكارثة طبيعية؟ ** د. نادية: لو كانت طبيعية كانت المياه ستجري في وديانها وشعابها ولحدث ما حدث. المسؤولية تقع على عاتق العديد من الجهات منها البلدية والمحاكم التي وافقت على إفراغ الصكوك والبنك العقاري الذي منح القروض في مناطق يعتبر البناء فيها مخالفة شرعية للحاكم وللنظام وللشرع وغيرهم كثيرون. ولو لم نرتكب تلك المخالفات لما حدثت. * هل إزالة آثار الكارثة ممكن ومتى وكم من الزمن يحتاج ذلك؟ ** د. نبيل: يمكن إزالة آثار الكارثة بسهولة كل في ما يختص به. قمت بعمل تقدير مبدئي لصيانة حوالى 6500 منزل متضرر. التكلفة بلغت حوالى مليار ريال... قمت بزيارة بعض الأحياء المتضررة وزرت حوالي 15 منزلاً وقدرت أن كل منزل يحتاج في المتوسط لمبلغ 150 ألف ريال للصيانة.... * أحدهم انتقد هذه التقديرات وأشار إلى أنها جائرة وقال إنه يملك فيلا تأثرت بالكارثة وأن الخسائر التي حدثت لها تقدر بمئات الالاف من الريالات ... ** د. نبيل: التقديرات التي ذكرتها للمتوسط. هناك منازل تأثرت وتحتاج لمائة ألف وهناك من يحتاج إلى ألف ريال لصيانة بيته. المتوسط الذي ذكرته لا يعني أنه سيتوزع على كل متضرر بالتساوي بل سيتم إعطاء كل متضرر بقدر ضرره. يمكن إزالة آثار هذه الكارثة وأعتقد أن ذلك يحتاج إلى فترة عام على الأكثر إذا توفر المال لأن التعويضات لن تصرف الآن وقد يكون ذلك بعد ستة أو ثمانية أشهر. لا يمكن أن تقوم بافتتاح ورشة لعدد 6500 مبنى. تحتاج لفترة عام لتوفير المواد والعمالة. هذا في ما يختص بالمساكن. أما فيما يختص بالبنية التحتية ليس لدي تقدير لأنني لم أر الدمار في كل المناطق وإن كنت قد رأيت بعضه وأعتقد أننا نحتاج لملياري ريال لإصلاح البنية التحتية وهذا تقدير مبدئي وأعتقد أنه خلال عام على الأكثر سيتم عمل كل ذلك إذا توفر المال. * د. نادية: على ذكر البنية التحتية هل تقصد المجاري وتصريف السيول أم أنك تقصد بحيرة المسك؟ ** د. نبيل: أعني إصلاح ما تأثر بالكارثة، الكباري التي تأثرت والأرصفة التي تلاشت والكابلات التي احترقت ومحولات الكهرباء التي تعطلت. لا أقصد الوضع المستقبلي. ما قصدته هو إعادة إصلاح ما تضرر من السيول. * هل سيؤدي إصرارنا على إصلاح كل ما تأثر خلال عام على الأكثر إلى رفع التكلفة لأن الطلب سيزيد على العمالة في الأسمنت والحديد وكافة المواد؟ ** د. نبيل: نعم. ولكن ارتفاع التكلفة أرحم من إبقاء الوضع على ما هو عليه. الفائدة ستكون اقتصادية.وإذا أحسنا إدارة هذا الموضوع لن تكون الزيادة كثيرة ولن تتجاوز 10% على أكثر تقدير. * هل من الأفضل أن يقوم جهاز واحد بإدارة ومتابعة وإدارة عمليات إزالة آثار الكارثة أم أن الأفضل أن تكون هناك مشاركة لكل الأجهزة المختصة؟ ** د. نبيل: أرى أن تكون هناك مشاركة لجميع الأجهزة شريطة أن يكون العمل كله تحت مظلة مركزية واحدة. * هذا يعني أنك تقترح إنشاء غرفة عمليات لإزالة آثار الكارثة؟ نعم.يستمر عملها لمدة عام أو عامين وبعد ذلك يمكن أن تُحل أو أن تستمر وتوكل إليها أعمال محددة وواضحة. *هل تعتقد أننا نحتاج إلى إعادة نظر حول موقفنا من التأمين و أن الكارثة قد تكون نقطة تحول في نظرة المجتمع من التأمين على غرار ما يوجد لدى المجتمعات المتحضرة؟ ** د. نبيل: هناك ناحيتان في الموضوع، لم يكن هناك تشجيع من الجهات العليا، كما أن الثقافة المجتمعية لدى الأفراد لا تساعد على وجود التأمين. تحدثت مع بسطاء ومتعلمين وآخرين تلقوا تعليماً عالياً. كل هؤلاء يرفضون أن يقوموا بالتأمين على منازلهم. تحدثت مع أستاذ جامعي وسألته عن التأمين فوجدت أنه غير متحمس له، ليس من منطلق ديني ولكنه قال لي ما الذي سيحدث؟ أرجو من كل من يبني بيتاً أن يقوم بالتأمين على منزله وعلى جيرانه وعلى المارة حتى لا تسقط قطعة من الحديد وتقتل أحدهم. الثقافة العامة في البلد ضد التأمين وليس هناك تشجيع على التأمين. (تتمة)