يتخيل أحدنا دائماً أنه عصي على الانكسار، قادر على ضبط إيقاع ما سوف يتعرض له ذات يوم، أو يصطدم معه، يؤكد للآخرين أنه إن تعرض لما يتعرضون له لكانت مواجهته مختلفة للموقف، وتعامله معه سيأتي من منطلق تحمله، وقدرته على تقديره. يعيش أحدنا أيضاً في إحساس متواصل بالقدرة على الاصطدام السليم متى حانت هذه اللحظة، ومتى لم يستطع منعها من الدخول؟ يهرب كل منا إلى عالم متخيل أكثر من أن يكون مرتبطاً بالواقع الحقيقي الذي يبتعد عن الأحاسيس التي لم تشعر بها. وطالما ظل حريصاً على هذا العالم المتخيل الذي لم يقترب منه الإعصار بعد سيظل يعلم الآخرين كيف يتعلمون المواجهة، وكيف يفندون القادم، ويستشعرون الأحداث التي ينبغي أن تعنيهم أكثر من سواههم. فجأة تتغير كل الأشياء، أغلب الأشياء، الكثير من الملامح، تغيب أغلب الصور، وتتبدل سائر مفردات القاموس التي اعتاد عليها. فجأة قد يتغير مسار تاريخ كامل من حدث واحد، أو مفاجأة واحدة، ولا عليك سوى أن تفزع إلى المواجهة، أو الاستسلام، لأن ثالثهما التقييم لن يكون المجال أمامه مفتوحاً على الاطلاق. ستتغير أشياء، وستتهدم جسور، وسيبدو المستقبل مغلقاً وكأن نهايته الآن. تولد الأشياء أحياناً من الفراغ، وعندما تطفو على السطح تشل كل ما له علاقة بحركتك، تهدم كل البيوت الساكنة، تفتت كل الأحلام التي بدت لك وكأنها مغلّفة وسابحة داخل علبة ورود لا يمكن أن تذبل. ستتغير أشياء وستكتشف أنك غير منيع، وغير ما كنت تعتقد بأنك غير قابل للكسر أو التوقف. ستكتشف أنك كغيرك تنكسر، وتتعذب، وتصطدم، بل والأدهى من ذلك، تأتي إليك الكارثة رغم حرصك الشديد، بأن لا تواجه أو تبحث عن زمن الكوارث. ستتبدل صور، وسيزداد الجدل داخلك، ولن تتمكن من إيقاف ما حصل، أو تغيير صورته، أو حتى اللجوء إلى لحظة هروب منه. أنت لست عصياً على شيء كغيرك من البشر، وكغيرك من عباد الله على الأرض. لست عصياً على أن تتهدم، وأن تنكسر، وأن تُجرح، وأن تتفتت أحياناً، هذا لم يعد في عالم المتخيل، وإنما الواقع، والطبيعي، وما يحيط بك الآن. وصلت فجأة مع الأسف ودون أن تستعد منذ زمن كغيرك من العقلاء على أرض الواقع لما أنت به الآن. وهذا الوصول يكلفك كل شيء، يكلفك هزيمة مضاعفة، أحاسيس سلبية متعددة، لا تذهب إلى الإيجابية إطلاقاً، تنزلق بك إلى فيضان من الرغبة الجارفة في الاختفاء، والهروب إلى عالم ليس فيه ما تشعر به الآن، عالم تحلم أن يكون نظيفاً، وسابقاً لكارثتك. تحاول أن تتلمس داخلك تجده مغلقاً ورافضاً لاستقبال أي شيء سوى أحداث مستجدة وقاسية ومرتبطة بما أنت فيه. تقلّبه وتكتشف أنك عشت ملياً في عالم من الخيال، وأن الحياة ظلت صفحاتها بالنسبة لك لا تصافح لحظات القسوة، ولا تتوقف عند ما هو بعيد عنك. هل عليك أن تضمّد الجرح الذي يبدو أنه يرفض الآن حتى ضماداته؟ أم عليك الاستغراق في تاريخ هذه اللحظة التي تضبط إيقاعها على البقاء الطويل؟ ستفقد دون شك أي طاقة للبقاء الآمن، أو تخيل أن هناك أحلاماً مستقبلية ولكن لن تنتهي الحياة عند صدقك، أو انكسار تخيلك المتصل بأن لا مشاهد مستمرة أو أفلاماً للخيبة والألم.